الصويرة.. مدينة التعايش والسلام ووجهة ركوب الأمواج والسياحة الثقافية والروحية

زنقة 20. الصويرة / روبورتاج

تعتبر مدينة الصويرة أو “موكادور” مدينة ساحلية ومنتجعاً سياحياً بإمتياز يجذب السياح المغاربة والأجانب من كل الأجناس يطل على ساحل الأطلسي للمملكة، حيث تحظى المدينة القديمة بحماية الأسوار على شاطئ البحر التي تعود للقرن الثامن عشر وتسمى سكالا دي لا قصبة ، والتي تم تصميمها من قبل المهندسين الأوروبيين.

وتوصف الصويرة بكونها “مدينة الرياح”، وهي تسمية تحلو لعشاق ركوب الأمواج الذين يحجون إلى المدينة من شتى بقاع العالم، أما البعض فيُسميها بـ”مدينة النوارس” لكثرة هذا النوع من الطيور في شواطئها، وحتى بين أزقتها.

ومهما تعددت التسميات والتوصيفات لهذه المدينة العتيقة بالمملكة المغربية، إلا أنها تظل مُلتقى للثقافات والديانات المُختلفة، ومحضنا لجمع المغاربة المُسلمين واليهود، في أزقة جاورت المعابد اليهودية فيها مساجد المسلمين، تماما كما اشترك أبناء الديانتين الوطن الواحد، حيث يعود تاريخ مدينة الصويرة إلى أواخر القرن الثامن عشر وأضيفت إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2001.

الموقع الجغرفي لمدينة الرياح

تقع مدينة الصويرة بجهة مراكش أسفي على ساحل المحيط الأطلسي في المغرب، على بعد 457 كلم من العاصمة الرباط وعلى بعد 350 كلم من الدار البيضاء، وعلى بعد 175 كلم من مراكش، وعلى بعد 190 كلم من أكادير، ويقع مطارها (مطار الصويرة موكادور) على بعد 18 كم من المدينة، حيث تُنظم إليه رحلات جوية تنقل السياح المغاربة والأجانب للمدينة، بالإضافة إلى الطريق السيار مراكش الصويرة الذي يعد أحد المداخل الرئيسية للمدينة.

وتبلغ الطاقة الاستعابية للمطار 000 300 مسافر، وهو حاصل على شهادة الإيزو 9001 نسخة 2008. ويبعد المطار عن وسط مدينة الصويرة بـ17 كلم، ويستغرق الوصول إليه حوالي 20 دقيقة، وهو يتميز بسهولة إجراءات السفر، ويعد أحد أهم وسائل النقل التي يختارها السياح المغاربة والأجانب للتنقل إلى المدينة.

ويتجاوز عدد المؤسسات الفندقية بالصويرة اليوم 500 وحدة، ثلثاها عبارة عن رياضات فنادق، والثلث الآخر هو مؤسسات يمكن أن يصل عدد غرفها إلى 250 غرفة، أي ما يمثل في المجموع 9800 سرير في القطاع المهيكل، وتقريبا العدد نفسه في القطاع غير المهيكل.

تاريخ الصويرة العريق..

وعند زيارة المدينة يعود بك تاريخ الصويرة إلى ما قبل الميلاد، حين كان الفنيقيون والقرطاجيون يقومون بالرّسوّ في جزيرة موغادور خلال سفرهم عبر البحر إلى الإكوادور. إذ شهدت الصويرة في عهد ملك موريتانية الطنجية يوبا الثاني إنشاء أول معمل لصناعة الصباغات المستخرجة من المحار، والتي كان يصدرها للرومان، وإبان القرن السادس عشر، استقر بها البرتغاليون فأطلقوا عليها اسم موغادور، وآنئذٍ تم تحصينها من قبل ملك البرتغال مانويل الأول الذي أقام حصنا فيها عام 1506.

ويمكن اعتبار التأسيس الفعلي للمدينة، اسماً وأثراً، قد انطلق سنة 1765، عندما عندما أوكل السلطان العلوي محمد الثالث بن عبد الله مهمة إعادة بنائها في نسختها الحالية إلى تيودور كومود، لتصبح هي مدينة الصويرة التي نعرفها الآن.

وتعتبر أسوار الصويرة من أهم معالم المدينة التاريخية والتي تضيف الكثير من الأجواء الرائعة للمكان، ليس فقط لتراثها التاريخي الغني، ولكن لكونها توفر إطلالة جميلة على شاطئ البحر.

المآثر السياحية والتراث المعماري  وأعميتها في الجذب السياحي

مسجد سيدي أحمد
يحتوي هذا المبنى الذي يعود تاريخه إلى القرن الـ 18 بالقرب من مولاي حسن بلاس على مكتبة هامة (مغلقة أمام الزوار) تحتوي على بعض المخطوطات التي تبرع بها سلطان محمد بن عبد الله.

وسمي هذا المسجد باسم الشيخ سيدي أحمد بن محمد من قبل السلطان.

أسوار مدينة السكالا

تُعتبر أسوار ميناء سكالا في الصويرة واحدة من أفضل الوجهات السياحية في المدينة. إذ تشكل هذه الأسوار المحصنة جزءًا مهمًا من تاريخ الصويرة، حيث تم بناؤها في القرن الثامن عشر لحماية المدينة ومينائها من هجمات القراصنة و الغزاة البحريين.

وتضفي هذه الأسوار جمالًا وجاذبية خاصة على المدينة، وتمتد على طول الساحل مع مناظر خلابة للمحيط الأطلسي.

ويمكن للزوار التجول على طول هذه الأسوار واستكشاف أبراج المراقبة والمدافع القديمة والمناظر البانورامية الرائعة التي تعد من أجمل مناظر الصويرة، حيث تعتبر أسوار ميناء السكالا مكانًا مثاليًا للاستمتاع بالمشاهد البحرية الخلابة والتعرف على تاريخ هذه المدينة. كما يُمكنك الجلوس على مدفع برتغالي قديم والاستمتاع بالإطلالة على المحيط الأطلسي.

متحف سيدي محمد بن عبد الله

كما تحتضن مدينة الصويرة واحداً من أهم وأقدم متاحف المغرب، متحف سيدي محمد بن عبد الله في قلب المدينة، الذي يتيح للزائر التعرف على الحضارات المتعاقبة، ويقدم المتحف الذي افتتح سنة 1980 صفحات من تاريخ المدينة، من عصور ما قبل التاريخ، والعريقة والقرون الوسطى، إلى غاية تأسيس المدينة.

متحف سيدي محمد بن عبد الله هو متحف تاريخي يقع في قلب مدينة الصويرة ، سمي المتحف تيمنا باسم مؤسس المدينة، السلطان الثالث للسلالة العلوية محمد بن عبد الله. يضم المتحف حمولة تاريخية من التراث المادي وغير المادي من عبق الاكتشافات الأثرية للمدينة.


وفي 20 أكتوبر 1980، وبمناسبة المهرجان الأول للموسيقى تم تحويل مبنى القصر لمقر للمتحف بهدف الحفاظ على التراث الثقافي لمدينة الصويرة والتعريف بها، حيث يعرض المتحف العديد من القطع الأثرية التاريخية، بما في ذلك الأواني الفخارية القديمة والعملات والمجوهرات والسجاد ذي الصلة بتاريخ مدينة الصويرة.


يقع هذا المتحف الفريد من نوعه في رياض قديم ، ويضم مجموعة صغيرة من المجوهرات والأزياء والتطريز والحفر بالخشب والأسلحة من المنطقة.

ميناء سكالا أو ميناء “موغادور” بالصويرة.. موقع يعبق بالتاريخ

إرتبط تاريخ مدينة الصويرة بمينائها المعروف ب “موغادور”، الذي يعكس، إضافة إلى أهمية هندسته المعمارية والحضارية، غنى التاريخ التجاري والدبلوماسي للمغرب الأطلسي خاصة خلال القرن ال17.

وكانت الغاية والمقصد الأساس من بناء هذا الميناء الهام، خاصة خلال هذه الحقبة، هو ضمان الإشعاع التجاري للمغرب عبر العالم وتمكينه من تعزيز علاقاته الدبلوماسية، حيث صاحب هذا الإنجاز، فتح العديد من التمثيليات القنصلية بمدينة الصويرة، مما عزز، بشكل مبكر، روح الانفتاح الذي ميز هذه الحاضرة منذ تشييدها سنة 1764 من قبل السلطان سيدي محمد بن عبد الله.

وتحول الميناء في السنوات الأخيرة إلى وجهة سياحية تجذب الياح المغاربة والأجانب، حيث تستأثر قوارب الصيد الخشبية الزرقاء  بانتباه الزوار منذ الوهلة الأولى

جزيرة موكادور أو جزيرة الحمام بالصويرة

تنتصب “جزيرة موغادور” أو “أرخبيل الصويرة “، شامخة قبالة شاطئ مدينة الصويرة كموقع إيكولوجي ذا حمولة تاريخية كبرى يشهد على الغنى التاريخي والحضاري لهذه المدينة المغربية العتيقة ويتشكل “أرخبيل الصويرة” وهي صخرة تمتد على مساحة إجمالية تقدر ب 7ر26 هكتار تتراءى للناظرين على بعد كيلومتر واحد من المرفأ التاريخي لمدينة الرياح من جزيرة رئيسية على مساحة 7ر22 هكتار وجزيرة يطلق عليها”جزيرة الفرعون” على مساحة 400 متر مربع وجزر صغرى على مساحة 4 هكتارات “سبع جزر في المجموع”، لتقدم منظرا جميلا متميزا وساحرا يستهوي عشاق الطبيعة والمهتمين بالتاريخ القديم من خلال تحصيناتها المنيعة ومدافعها العتيقة.

ويتوفر هذا الموقع الإيكولوجي الذي يعبق بالتاريخ على مآثر تاريخية ذات قيمة كبرى تتجلى في قلعتين تعلوهما أبراج في كل ركن ودعائم خشبية وأعشاش العديد من الطيور.

هذا الموقع عبارة عن جزيرة صغيرة توجد قرب مدينة الصويرة ويعتبر من أهم المواقع الفينيقية بغرب البحر الأبيض المتوسط أتبثت الحفريات الأثرية التي أجريت بالجزيرة وجود بقايا أركيولوجية تتمثل في أواني فخارية وأحفورات يرجع أقدمها إلى النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد.

شاطئ الصويرة.. مدينة الرياضات المائية وملاذ لعشاق ركوب الأمواج والإستجمام

للبحر في مدينة الصويرة سحر يأسر خيال الزائرين ولمدينة الرياح بحر يمتد طولًا وعرضًا، وهو يزين وجهها بأمواج ورياح تلهب حماس رواد رياضة “السورف” وركوب الأمواج. ويداعب بأمواجه جزرًا أثرية معزولة مرصعة بسرب من النوارس البيضاء وهي تسرح في سماء ملبدة برذاذ ملح اليم.

وبفضل موقعها الاستراتيجي على ضفة المحيط الأطلسي، وطول شاطئها الممتد على مسافة تزيد عن 150 كلم، تشكل الصويرة وجهة مفضلة لممارسة مختلف أنواع الرياضات الخاصة بالتزحلق على الماء، لاسيما وأنها تتوفر كذلك على مؤهلات تستجيب للمعايير الدولية الواجب توفرها من أجل ممارسة هذا الصنف من الرياضات المائية.

وقد شكلت الصويرة منذ فترة زمنية فضاء للنهوض بهذه الرياضات وتطورها ، وذلك بفضل مناخها المعتدل وشواطئها ( مولاي بوزرقطون ، وسيدي الكاوكي) التي تتميز بأمواجها المحفزة على ممارسة الرياضات المائية ، وأيضا بفضل مناخها الجميل، وقربها الجغرافي من عدد من الوجهات السياحية الرائدة على مستوى المملكة .

وتتيح هذه المؤهلات لممارسي الرياضات المائية الفرصة للاستمتاع بأوقات ممتازة أملا في الرقي بمستوى عطائهم، كما تتيح الفرصة في الوقت نفسه للرياضيين المتمرسين والمحترفين لركوب الأمواج القوية ، للوقوف على مدى قوة تحملهم ، وتفوقهم في مداعبة الأمواج بطرق وتقنيات فنية جد صعبة.


وبالنظر إلى كون الظروف تظل مواتية طيلة السنة لممارسة رياضات التزحلق على الماء بمختلف أنواعها ( ركوب الأمواج الشراعي، ركوب الأمواج، التجذيف…)، بالإضافة إلى الإقبال الكبير لعدد من الشباب عل ممارستها، فقد عرفت هذه الرياضات تطورا ملموسا على مستوى شواطئ الصويرة، والذي ساهمت فيه عدد من الأندية المحلية الحريصة على إشاعة المبادئ الأولية المعتمدة في ممارسة هذه الرياضات ، وتلقين تقنياتها لشباب المدينة وأيضا لهواة هذه الرياضة من الاشخاص الأجانب، مع توفير التجهيزات التي يحتاجونها لمزاولة هوايتهم وقضاء أوقات ممتعة بمدينة الصويرة التي تعرف في بعض الأوساط ب» مدينة الرياح» .

مهرجان الموسيقى “كناوة”.. العمق الإفريقي للصويرة

ومما تشتهر به المدينة، هو موسيقى كناوة، وهي لون موسيقي ينتشر بكثرة في المدينة، كما أنها تحتضن سنوياً أضخم مهرجان موسيقي لهذا النوع، حيث إستقطب في سنة 2023 نحو 300 ألف من رواد المهرجان تجولوا بين ساحة مولاي الحسن، وساحة الشاطئ، وبرج باب مراكش، وغيرها من الأماكن الاستثنائية مثل دار الصويري وبيت الذاكرة والزاوية العيساوية، لقضاء لحظات رائعة وفريدة من نوعها.

وبخلاف أيامها الهادئة، تعيش المدينة كُل عام صخباً روحياً لا مثيل له، إذ يحج إلى ساحاتها عشرات الآلاف من المولعين بهذه الموسيقى التي تنحدر من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وتقول الروايات إن السفن التي كانت تحمل الرقيق من العمق الأفريقي نحو أوروبا، وفي ميناء الصويرة يتسللون إلى الأراضي المغربية، قبل أن يستقروا بها، حاملين معهم هذا التراث الموسيقي العريق.

وتحتضن المدينة ضريح “سيدي بلال” في غرب الصويرة، الذي يعتبر المرجع الأعلى والأب الروحي لكناوة. وداخل ضريح هذا الولي توجد الزاوية التي تحتضن في العشرين من شهر شعبان الموسم السنوي للطائفة الكناوية على إيقاع تلك الموسيقى.

نحو 300 ألف من رواد المهرجان تجولوا بين ساحة مولاي الحسن، وساحة الشاطئ، وبرج باب مراكش، وغيرها من الأماكن الاستثنائية مثل دار الصويري وبيت الذاكرة والزاوية العيساوية، لقضاء لحظات رائعة وفريدة من نوعها، مضيفا أن الجمهور استمتع أيضا بتمديد الأجواء الاحتفالية إلى أزقة المدينة العتيقة، وبين أسوارها، وفي ساحات المدينة، على إيقاعات موسيقية مرتجلة ومتنوعة.

إلتفاتة مولوية للمدينة العتيقة لـتأهيل السياحة

قام الملك محمد السادس، في سنة 2020  بزيارة للمدينة العتيقة للصويرة، التي اكتست حلة جديدة بفضل البرنامج التكميلي لتأهيل وتثمين المدينة العتيقة للصويرة (2019-2023)، الذي كلف استثمارات بقيمة 300 مليون درهم.

وجسدت هذه الزيارة التي أعطت زخما قويا لجهود تثمين هذا الفضاء ذي القيمة التراثية الكبيرة، الإرادة الراسخة للملك في المحافظة على الطابع الهندسي لمدينة موغادور، وتعزيز إشعاعها الثقافي والسياحي وتحسين ظروف عيش وعمل ساكنتها.

وعكست حرص الملك على المتابعة عن قرب لورش التأهيل هذا، الذي استفاد منه 13 ألف من ساكنة المدينة العتيقة، وهم 26 مشروعا ارتكزت بدورها على 4 محاور رئيسية، هي تأهيل المجال العمراني، وترميم وتأهيل التراث التاريخي، وتعزيز الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، وتقوية الجاذبية السياحية والاقتصادية للمدينة العتيقة للصويرة.

وشملت مشاريع التأهيل ترميم السور التاريخي للمدينة العتيقة، وترميم وإعادة الاعتبار لبرج باب مراكش، ومعالجة البنايات المهددة بالانهيار، وترميم سقالة الميناء)، وتأهيل تعاونية دار العرعار، والكنيسة البرتغالية، وبناء المركز الصحي “درب لعلوج”، ومركز لمحاربة الإدمان، ومركز للتعليم الأولي، والهدم الكلي أو الجزئي لـ123 بناية، وترميم زاويتين.

وتهيئة ساحات “شريب أتاي” و”الرحبة” و”الفنانين”، والملاح 1 و2، ومواقف السيارات بباب دكالة والميناء، وتأهيل كنيس “صلاة الكاهل”، وقيسارية الصياغين، وإصلاح وتأهيل أربع سقايات، وبناء مأوى للشباب، وتأهيل وتهيئة ثلاثة مسارات سياحية، وخلق نقط الإرشاد السياحي ولوحات تفاعلية، وإحداث المركز السياحي للاستقبال والمعلومات، وتقوية شبكة الإنارة العمومية.

ويعتبر هذا البرنامج من الجيل الجديد ثمرة شراكة بين صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ووزارة الداخلية، ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، ووزارة الثقافة والشباب والرياضة، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومجلس جهة مراكش -آسفي، والمجلس الجماعي للصويرة، ومجموعة العمران.

وخلال الزيارة قام الملك محمد السادس،بزيارة “بيت الذاكرة”، بالمدينة العتيقة للصويرة، وهو فضاء تاريخي، ثقافي وروحي لحفظ الذاكرة اليهودية المغربية وتثمينها، وفريد من نوعه بجنوب البحر الأبيض المتوسط وفي العالم الإسلامي.

ويحتضن هذا الصرح الروحي والتراثي، بعد أشغال ترميمه، كنيس “صلاة عطية” ودار الذاكرة والتاريخ “بيت الذاكرة”، والمركز الدولي للبحث حاييم وسيليا الزعفراني حول تاريخ العلاقات بين اليهودية والإسلام.

الصويرة.. مدينة التسامح والتعايش الديني والثقافي في المغرب

على امتداد قرون، تعايشت ثقافات وديانات مختلفة في مدينة الصويرة المغربية، حيث باتت أرضا شاهدة على عراقة التعددية الثقافية والروحانية والعيش المشترك، مجسدة بذلك صورة المغرب الفخور بهويته الأصيلة والمتنوعة.

ولا يعد هذا التوجه “الديني” و”الروحاني” للصويرة وليد اليوم، بل إلى قرون طويلة من التاريخ. فمنذ تأسيسها في 1760، أرست مدينة موكادور نموذجا خاصا بها مزج بين الثقافات والحضارات، وشهدت بناء عدد من دور العبادة، بشكل جعلها أرضا للسلام والحوار بين الثقافات والتعايش السلمي بين الأديان.

ويرتبط تاريخ الصويرة بشكل وثيق بفضاءات قديمة لممارسة الشعائر الدينية تتضمن مساجد وزوايا (15 زاوية في المجموع)، وكذا كنائس من قبيل كنيسة “نوتردام” المشيدة سنة 1936. وبنيت أماكن العبادة، جنبا إلى جنب، وكأنها تنقل إلى العالم “صورة” ما ينبغي أن يكون عليه “العيش المشترك” الحقيقي.

وإلى جانب ذلك، تضم الصويرة دورا للعبادة خاصة باليهود (في البداية 37 كنيسا). ويوجد بالصويرة حاليا، كنيسين “صلاة الكحل” و”صلاة عطية” المشيدين في أواخر القرن 19، واللتين خضعتا للترميم في إطار مشروع “بيت الذاكرة” الذي أشرفت عليه جمعية الصويرة موكادور بتعاون مع وزارة الثقافة.

ومكن هذا التوجه الديني للصويرة من الارتقاء بها كحاضنة لحوالي 15 زاوية، على غرار الزاوية الحمدوشية المشيدة في القرن 18، وزاوية سيدنا بلال المؤسسة من قبل الطريقة الكناوية، والزاوية الركراكية والزاوية القادرية (1777) والزاوية التيجانية والزاوية العيساوية.

ويجسد هذا البعد الديني، الذي يشكل عماد قيام حاضرة موكادور، إلى يومنا هذا، مثالا استثنائيا، لتجمع مسلمين ويهود ومسيحيين، للتبادل والعيش بسلام بالصويرة، وذلك في احترام متبادل تام للخصوصيات والاختلاف.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد