زنقة 20. الرباط
حققت كرة القدم الوطنية في السنوات الأخيرة نقلة نوعية، وتمكنت الأندية والمنتخبات الوطنية من التتويج بمجموعة من الألقاب القارية وتحقيق العديد من الإنجازات العالمية، وذلك بفضل العناية السامية التي ما فتئ الملك محمد السادس يوليها لكرة القدم الوطنية، والقطاع الرياضي عموما.
والواقع أن هذا النجاح اللافت الذي تعيشه كرة القدم بالمغرب، ليس وليد الصدفة، أو مجرد ضربة حظ، بل هو ثمرة عمل دؤوب يسهر عليه القائمون على الشأن الرياضي والمؤسسات المعنية من أجل تطوير البنيات التحتية الرياضية، بالإضافة إلى حكامة تسييرية جيدة لتحسين أداء كرة القدم الوطنية وتعزيز تنافسيتها، وذلك انسجاما مع الرؤية الملكية السديدة في هذا الشأن.
ففي الرسالة التي وجهها الملك إلى المشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة بالصخيرات سنة 2008، دعا جلالته إلى وضع نظام عصري وفعال لتنظيم القطاع الرياضي، يقوم على إعادة هيكلة المشهد الرياضي الوطني وتأهيل التنظيمات الرياضية للاحترافية ودمقرطة الهيآت المكلفة بالتسيير.
وأوضح الملك في هذا الصدد، أن الوضع يتطلب، قبل كل شيء، اتخاذ التدابير المؤسساتية والقانونية الملائمة لمواكبة التطورات المتسارعة التي تعرفها الرياضة العالمية، ولاسيما متطلبات تطوير الاحترافية.
من جهة أخرى، قال الملك إنه “برغم بعض التجهيزات العالية المستوى التي تتوفر عليها بلادنا (..)، فلابد من مضاعفة الجهود”، مبرزا حرص جلالته على إيلاء تشييد بنيات رياضية محلية، مكانة الأسبقية في مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذا البرامج التي تساهم فيها مؤسسة محمد الخامس للتضامن.
وهكذا وفي مارس 2010، أشرف الملك محمد السادس على تدشين ” أكاديمية محمد السادس لكرة القدم”، بهدف المساهمة في انتقاء وتكوين ممارسين لرياضة كرة القدم من مستوى عال، من خلال وضع نظام تربوي يجمع بين الرياضة والدراسة.
وقد جرى بناء وتجهيز أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي تعد ثمرة إرادة ملكية، وفق معايير تجعلها تضاهي مراكز التكوين المهنية الأوروبية ذات الصيت العالمي، وذلك بغية الاهتمام بالشباب المغربي ومنحه الظروف الملائمة لتلقي تكوين رياضي علمي يخول له الممارسة في أكبر الأندية الكروية بالمغرب وأوروبا على حد سواء.
وانطلاقا من الأدوار المنوطة بها والأهداف التي أسست من أجلها هذه المؤسسة الرياضية، فقد نجحت “أكاديمية محمد السادس لكرة القدم” فعلا في تكوين وإنتاج لاعبين من المستوى العالي يشكلون اليوم العمود الفقري للمنتخب الوطني لكرة القدم الذي شارك في نهائيات كأس العالم 2022 بقطر، والذي حقق أفضل إنجاز إفريقي وعربي بوصوله إلى دور نصف النهائي.
ويعتبر كل من اللاعب يوسف النصيري المحترف في نادي اشبيلية الاسباني، ونايف أكرد لاعب ويستهام يونايتد الانجليزي، وعز الدين أوناحي الذي يمارس في نادي أنجيه الفرنسي من أبرز خريجي الأكاديمية، والذين ارتفعت أسهمهم في سوق اللاعبين العالميين بعد الأداء الرائع الذين قدموه طيلة أدوار هذه المنافسة.
وحول هذه المنشأة الرياضية ذات المواصفات العالمية، كتب موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” على موقعه الالكتروني، في مقال خصص لتسليط الضوء على كرة القدم المغربية بمناسبة كأس العالم 2022، أنه من بين أسباب نجاح كرة القدم المغربية: “تواصل العمل على المدى القريب والمتوسط والبعيد لتحضير المستقبل من الآن”، مشيرا إلى أن أبرز ما تحقق في خطط التطوير هو افتتاح أكاديمية محمد السادس لكرة القدم.
وأبرزت “فيفا” أن الأكاديمية تضم بين جنباتها أحدث المرافق والمعدات التي تتوافق كلها مع معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم، لافتة إلى أن هذه الأكاديمية لعبت دورا كبيرا في تكوين وتألق جميع فئات المنتخب الوطني لكرة القدم.
هذا النجاح الكبير الذي حققه المنتخب الوطني في كأس العالم قطر 2022، لا يخص منتخب الكبار فقط، وإنما شمل جميع الفئات السنية للمنتخب وكذا منتخب السيدات ومنتخب كرة القدم بالقاعة، وكذا الأندية الرياضية الوطنية المنافسة في البطولات القارية.
وهكذا، تمكن المنتخب المحلي لكرة القدم من الفوز بكأس إفريقيا للمنتخبات المحلية في نسختي 2018 و 2020، وحقق المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة بطولة أمم إفريقيا في نسختي 2016 و2020، ثم بطولة كأس العرب في مناسبتين 2021 و2022 وبطولة كأس القارات سنة 2022، إضافة إلى بلوغه دور الربع في بطولة كأس العالم لهذه الرياضة، كما احتل منتخب الناشئين المرتبة الثانية في كأس العرب للناشئين 2022.
وتفوقت كرة القدم النسوية الوطنية أيضا على المستوى القاري إذ تمكن المنتخب الوطني لكرة القدم للسيدات من التأهل لكأس العالم للسيدات 2023 كأول منتخب عربي يحقق هذا الإنجاز، واحتلت لبؤات الأطلس مركز الوصافة في كأس إفريقيا للسيدات التي نظمها المغرب بين يونيو ويوليوز 2022، إضافة لتحقيق فريق الجيش الملكي للسيدات لقب دوري أبطال إفريقيا للسيدات 2022.
وعلى مستوى الأندية، هيمنت أندية الوداد الرياضي، والرجاء الرياضي ونهضة بركان على البطولات الإفريقية القارية في السنوات الأخيرة، حيث فاز فريق الوداد بلقب عصبة الأبطال الإفريقية في نسختي 2017 و2022، وكأس السوبر الإفريقي سنة 2018، وفاز فريق الرجاء الرياضي بلقب كأس الكونفدرالية الإفريقية سنتي 2018 و2021 وكأس السوبر الإفريقي سنة 2019، وكأس العرب للأندية الأبطال (2019-2020) التي حملت اسم “كأس محمد السادس للأندية الأبطال”، وفاز فريق نهضة بركان بكأس الكونفدرالية الإفريقية 2020 و2022 وكأس السوبر الإفريقي 2022.
والأكيد أن كل هذه الإنجازات والمكانة التي بلغتها كرة القدم الوطنية على الساحة الدولية، تحتاج إلى تكريسها والاستفادة من كل هذه المكتسبات لبلوغ مستوى أفضل من شأنه أن يجعل من كرة القدم رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الوطني وداخل القارة الإفريقية، ويرتقي بالمغرب إلى قاطرة رياضية على الصعيد الإقليمي.
وفي هذا الصدد، أكد صاحب الجلالة أن المغرب يتقاسم مع أشقائه الأفارقة نفس التحديات، ونفس الطموح، من أجل تطوير وتوسيع نطاق الممارسة الرياضية بشكل عام، والارتقاء بكرة القدم بالخصوص، إيمانا منه بالدور الهام الذي تلعبه في تحقيق التنمية البشرية، وتقوية الاندماج والتلاحم الاجتماعي، وتعزيز الإشعاع الجهوي والقاري والدولي.
وقال جلالته في الرسالة الملكية التي وجهها إلى المشاركين في أشغال المناظرة الدولية التي نظمتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والاتحاد الإفريقي لكرة القدم سنة 2017 بالصخيرات، إن المغرب يتطلع لانبثاق قارة إفريقية قوية، متعاونة ومتضامنة، تتبوأ المكانة التي تستحقها في مختلف المؤسسات والمحافل الدولية، سواء على مستوى صناعة القرار، أو على مستوى المشاركة، أو بخصوص الدفاع عن حقها المشروع في تنظيم التظاهرات الكروية العالمية، وفي مقدمتها احتضان نهائيات كأس العالم.