حزب ‘العدالة والتنمية’ .. من فورة الإنتصارات إلى قوة الانكسارات

زنقة 20 / الرباط – هيئة التحرير

عاش حزب ‘العدالة والتنمية’ أوج مده التصاعدي في الانتخابات التشريعية لسنة 2011. وهي أول انتخابات تُجرى في ظل دستور 2011. ساعده سياق الربيع العربي كثيرا في الفوز في استحقاقات 2011، حيث قدم العديد من الوعود تبخرت بعد وصوله إلى السلطة وقيادته لأول حكومة في مساره.

وشرع قادة حزب ‘العدالة والتنمية’ في العمل السياسي العلني والقانوني بفضل إحتضانهم من طرف الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية التي أسسها الفقيد عبد الكريم الخطيب عام 1967.

وكان الحزب الإسلامي الذي بدأ عمله كحركة دعوية يسعى إلى تغيير مساره الدعوي للانخراط في العمل السياسي المباشر، لكنه وجد صعوبات في البداية، بفعل تحفظات الدولة، خاصة أن عددا من قياداته كانوا بطريقة أو بأخرى موالين للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين .

في سنة 1992 ، وبعد أن تعذر على حركة الإصلاح والتجديد (الجماعة الإسلامية سابقا) تأسيس حزب التجديد الوطني اتصلت قيادة الحركة بالراحل عبدالكريم الخطيب مقترحة عليه قبول إدماج أطرها وكوادرها في الحزب. وافق الخطيب بشروط حددها في ثلاثة تتمثل في: الإسلام والاعتراف بالملكية الدستورية ونبذ العنف.

في سنة 1996 عقد الحزب مؤتمرا استثنائيا مكن القيادات الإسلامية من العضوية في أمانته العامة. بالموازاة مع ذلك ، كانت الحركة الإسلامية منهمكة في تدبير الاندماج بين فصيلين هما حركة الإصلاح والتجديد (كانت تصدر جريدة الإصلاح ثم الراية ) ورابطة المستقبل الإسلامي (كانت تصدر جريدة الصحوة ). وقد توجت العملية فعلا باندماج الفصيلين تحت اسم حركة التوحيد والإصلاح بقيادة أحمد الريسوني.

كانت أول مشاركة للحزب في الانتخابات التشريعية سنة 1997، حيث حقق فيها نتائج واعدة (صار ممثلا في مجلس النواب ب14 مقعدا في مجلس النواب)، وفي الوقت نفسه كان ممثلا بمجلس المستشارين بمقعد واحد من خلال ذراعه النقابي الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب.

خاض الحزب معارك عديدة أشهرها معركته الشهيرة ضد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ، حيث عبأ كل قوته في مسيرة حاشدة بالدار البيضاء بتاريخ 12 مارس 2002، مما جعل الحكومة تتراجع فاسحة المجال للتدخل الملكي ، حيث أعطى الملك محمد السادس تعليماته بتشكيل لجنة وطنية من العلماء والقضاة والمفكرين أعدت مدونة الأسرة التي عرضت لأول مرة على البرلمان.

بدأ الوزن الانتخابي للحزب يتقوى سنة بعد أخرى، وهو ما عكسته مشاركته في الانتخابات التشريعية 2002 ، حيث حصل على 42 مقعد، رغم ذلك لم يشارك في الحكومة بل ظل في المعارضة .

شكلت الأحداث الارهابية التي استهدفت الدار البيضاء في 2003، منعطفا خطيرا في تاريخ حزب العدالة والتنمية، كادت تعصف بوجوده. فقد وُظفت هذه الأحداث سياسيا ضده، واتهم بالمسؤولية المعنوية في تلك الأحداث، وذلك على رغم اصداره بيان إدانة في صباح اليوم الثاني أي يوم 2003/05/17. وتم منعه من المشاركة في المسيرة المنددة بالأحداث الإرهابية التي دعت إليها القوى المدنية، وتعالت بعض الأصوات السياسية وأعضاء من الحكومة (اليسارية منها على الخصوص)، مطالبة بحله. ولكن الملك محمد السادس كان له رأي آخر، ورفض الموافقة على حل الحزب.

في الانتخابات التشريعية التي جرت 2011 حصل الحزب على المرتبة الأولى. وآلت إليه رئاسة الحكومة التي عينها الملك محمد السادس يوم 3 يناير 2012. ضمت هذه الحكومة 31 وزيرا، منهم 11 وزير من العدالة والتنمية.

بالنظر إلى يفاعة سجله السياسي، وحماسه الزائد مدفوعا برياح الربيع العربي، تضمن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية لسنة 2011، تعهدات مُبالغ فيها فشل الحزب في تحقيقها. كان البرنامج فضفاضا تضمن 1500 إجراء في مختلف المجالات (الصحة، التعليم، الاقتصاد والتنمية البشرية، مناخ الأعمال، والمنظومة الضريبية).

رفع الحزب شعارا مركزيا يتجلى في محاربة الفساد دون تحديد مكامن الفساد وتجلياته و التدابير الكفيلة بمحاربته. ركز الحزب كذلك على تخليق الحياة السياسية وتعزيز المشاركة السياسية وإعادة الاعتبار لدور المؤسسات. أهداف لم يحقق منها الحزب شيئا خلال قيادته للحكومة آنذاك. البعض منها لم يتحقق سوى في الفترة الأخيرة بفعل التدخل القوي للدولة مثل تبسيط المساطير وتعزيز استقلال القضاء وصيانة السيادة الوطنية وتعزيز الفعالية الخارجية من خلال الدفاع عن وحدة المملكة ورموزها.

وفي المجال الاقتصادي، وضع البرنامج الانتخابي للحزب سقف الانتظارات عاليا خاصة في مجال النمو(7 في المائة) نسبة لم تتحقق أبدا، حتى في سنوات الأمطار الغزيرة. كما تعهد بخفض نسبة البطالة إلى ما دون 8 في المائة، وهو ما فشل فيه.

على المستوى الاجتماعي، التزم الحزب بتحسين مؤشر التنمية إلى ما دون مرتبة 90، وهو ما فشل في تحقيقه، حيث ما يزال المغرب يتذيل لائحة الدول الأقل تطورا في مؤشر التنمية. كما تعهد الحزب بتقليص نسبة الأمية إلى 20 بالمائة في أفق 2015 و10 بالمائة في أفق 2020.

في غمرة بزوغ نجم العدالة والتنمية في 2011، أكد الحزب أن ” تصورنا للمجتمع المنشود يقوم على التطلع إلى بناء مجتمع متوازن ومستقر ومتضامن ومزدهر، قوامه طبقة وسطى واسعة”. هذه الطبقة الوسطى بالذات، هي التي عانت أكثر طيلة حكم الاسلاميين بالمغرب، حيث تضررت الفئات الوسطى من السياسات التي أقرتها حكومة العدالة والتنمية طيلة الولايتين الحكوميتين السابقتين، في ظل تنامي تكاليف الخدمات المقدمة في مجالي الصحة والتعليم، وغلاء الأسعار، ورفع الدعم عن المحروقات.” ثمت وعود كثيرة تم تأجيلها ومنها بالأخص إعداد السجل الاجتماعي الموحد الذي يسمح باستهداف الفئات الاجتماعية المستحقة للدعم المباشر. هذا المشروع عاد الحزب ليدمجه في برنامجه الانتخابي لاستحقاقات 8 شتنبر 2021.

بعد فشله في تحقيق العديد من الالتزامات التي سطرها في برنامج الانتخابي لسنة 2011، راجعت قيادة الحزب سقف تعهداتها في البرنامج الانتخابية لسنة 2016 حيث امتنعت عن تقديم أرقام ومؤشرات مضبوطة خوفا من تكرار الخطأ الذي وقعت فيه في الانتخابات التشريعية لسنة 2011. جاء البرنامج الانتخابي للحزب متوازنا وعاما يتحدث عن السيناريوهات الممكنة عوض تقديم أرقام مضبوطة. ورغم الطابع العمومي للبرنامج الانتخابي، إلا أنه يصطدم بواقع عنيد يؤكد عجز الحزب عن تحقيق وعوده الوردية المتمثلة مثلا في الحد من الفقر والهشاشة، ورفع معدلات النمو بشكل ملموس، وحل معضلة البطالة، وتوسيع دائرة التشغيل وضمان تكافؤ الفرص في الشغل وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية والترابية.

يرتكز البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية لسنة 2021، على خمسة محاور، تتعلق بتعزيز الموقع السياسي والاستراتيجي والإشعاعي للمغرب في محيطه الإقليمي والجهوي والدولي، وتحسين المناخ الديمقراطي والسياسي والحقوقي، وتعزيز كرامة المواطن وتثمين الرأسمال البشري، وإطلاق جيل جديد من الإصلاحات من أجل العدالة الاجتماعية والمجالية الشاملة وتقليص الفوارق، والانتقال إلى مصادر جديدة للنمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني. ووضع الحزب رافعتين أساسيتين لتعضيد المحاور الرئيسية لبرنامجه الانتخابي، وهما تطوير الحكامة ومواصلة الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بها، وتملك آليات ووسائل التحول الرقمي.

على المستوى الاجتماعي، وفي مجال النهوض بالأسرة تحديدا، يقترح حزب العدالة والتنمية في برنامجه “تنزيل الاستراتيجية الوطنية لحماية الأسرة”، وإعداد برنامج للنهوض بخدمات الوساطة الأسرية والتمكين للتربية الوالدية ، و”تفعيل السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة”، كما يقترح إحداث صندوق للتكفل بالأيتام والأطفال في وضعية هشاشة؛ وإقرار تدابير استعجالية وناجعة من أجل التكفل بالأطفال المتخلى عنهم والمشردين . لكن السؤال المطروح هو ألم تكن عشر سنوات الماضية كافية لتبني هذه الاجراءات؟

في المجال الاجتماعي دائما أدمج الحزب ورش الحماية الاجتماعية الذي يعتبر ورشا ملكيا بامتياز ضمن برنامجه الانتخابي، حيث يتحدث عن تعميم التعويضات العائلية لحوالي سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، وإصلاح نظام التقاعد، وتعميمه لفائدة حوالي خمسة ملايين من المغاربة ، وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025، لتشمل غير الأجراء، وكل من له شغل قار.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد