أحزاب ملكية بالوكالة
بقلم : عزيز ادامين
عقد حزب الاصالة والمعاصرة خلال الايام القليلة الماضية مؤتمره الثالث، تحت شعار “مغرب الجهات : انخراط واع ومسؤول”، بعد أن طرح أسبوعين قبله للرأي العام مشروع الوثيقة المرجعية والفكرية والسياسية تحت عنوان “الديمقراطية الاجتماعية ورهانات التحديث السياسي بالمغرب”.
لكن يثار تساؤول حول أسباب وجود هذا الحزب داخل الخريطة السياسية والحزبية بالمغرب، وسياقاتها ورهاناتها، أكبر من التساؤل حول المشروع المجتمعي الذي يحمله الحزب؟
للجواب على هذا التساؤول لا بد من العود قليلا إلى مغرب ما بعد الاستقلال، وبناء مقومات الدولة العصرية ومؤسساتها السياسية والإدارية، في سياق الصراع بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية حول مفهوم وماهية الدولة الوطنية المغربية، وما تخلل ذلك استعمال كل طرف لأدواته وآلياته من أجل تأطير والتأثير والضغط على الآخر كان من أبرزها تولي ولي العهد آنذاك الراحل الحسن الثاني رئاسة الحكومة بعد إقالة حكومة الاستاذ عبد الله إبراهيم ووضع دستور سنة 1962، وإعلان حالة الاستثناء ما بين 1965 -1970، وإدماج إمارة المؤمنين في الشأن السياسي بعد حادثة انسحاب البرلمانيين الاتحادين وتبقى أهم أداة استعملتها المؤسسة الملكية، وهي موضوع مقالتنا، تتمثل في صناعة احزاب إدارية.
لجأت الدولة الى صناعة أحزاب سياسية حسب الظروف والسياقات الدولية والإقليمية والوطنية، فكان تجربة إنشاء حزب الحركة الشعبية بزعامة محجوبي أحرضان للتضييق على حزب الاستقلال، ومنافسته على الزبناء الانتخابيين في القرى والمداشر، مما جعل الباحث الفرنسي “ريمي لفوفو” يؤسس لأطروحة “الفلاح المغربي المدافع عن العرش”.
في سنة 1963، وقبيل ثلاثة أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية الاولى في تاريخ المغرب، أنشأ صديق الراحل الحسن الثاني، جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية “ليفديك” بتنسيق بين ثلاثة مكونات، وهي الأحرار المستقلين، الحركة الشعبية، حزب الدستور الديمقراطي، وذلك بهدف قطع الطريق على حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية حتى لا يحصدوا الاغلبية البرلمانية، وبالتالي تعديل الدستور من خلال القناة البرلمانية، وقد كانت إشارة ملتمس الرقابة سنة 1964 التي تقدم بها الاتحاد الوطني كافية لانتهاء هذه التجربة.
في أواسط السبعينات، ستلجأ الدولة إلى صناعة حزب التجمع الوطني للأحرار من قبل أحمد عصمان الوزير الاول في حينها، وذلك لأغراض تتعلق باستمرار هاجس الاجماع الوطني حول الصحراء المغربية والانفتاح على المعارضة بهدف المشاركة في انتخابات 1977، وأيضا لظروف اقتصادية تتعلق بانخفاض مهول لأسعار البترول وبداية التنسيق مع صندوق النقد الدولي في إطار ما يسمى ب”سياسة الاستقرار والتثبيت الاقتصادي” سنة 1978، وقد توجت هذه السياسات الاقتصادية بتجميد صندوق المقاصة وقيام ب”انتفاضات الخبز” سنة 1981.
في بداية الثمانينات سينخرط المغرب في برنامج التقويم الهيكلي مفروض قبل من المؤسسات الدولية المالية المانحة سنة 1983، مما جعله البحث عن تحالفات أغلبية ليبرالية في انتخابات 1984 هاجس النظام الدولة، فنتج عنه إنشاء حزب الاتحاد الدستوري بقيادة المعطي بوعبيد وبتدخل مباشر لوزارة الداخلية في توزيع الخريطة الانتخابية.
واستمر الاتحاد الدستوري في تدبير المرحلة، حتى بحصوله على أقلية برلمانية تقود حكومة والأغلبية في المعارضة، وهو ما توج بملتمس رقابة للمرة الثانية في تاريخ المغرب سنة 1990.
وتبقى حكومة التناوب التوافقي، بقيادة الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي استثنائية، حيث سيقود الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحكومة من 1998 الى غاية 2002، ومع ذلك فقد تم تشكيل تكثل سمي ب”أحزاب الوفاق الوطني” وهي عبارة عن خليط من الاحزاب الإدارية لمواجهة “الكثلة الديمقراطية”، ولكن تجربة التناوب التوافقي التي جاء للحد من النزيف الذي كان يعيشه المغرب والمعنون ب”السكتة القلبية”، سوف تنتهي بالخروج عن “المنهجية الديمقراطية” وتعيين وزير اول تكنوقراطي وهو ادريس جطو وزير أول سنة 2002.
سنة 2007 سيخرج صديق الملك فؤاد عالي الهمة من دواليب وزارة الداخلية ويخوض غمار الانتخابات التشريعية 2007، ويحصد جميع المقاعد في دائرته بالرحامنة، ويؤسس بعدها حزب “الاصالة والمعاصرة” الذي سوف يكتسح الانتخابات الجماعية سنة 2009، إلا أن رياح التغيير الذي عرفته المنطقة وخروج شباب 20 فبراير يطالب بإنهاء التحكم والسلطوية، سوف تؤدي بالحزب الى انحناء رأسه الى ما بعد انتهاء العاصفة.
نظم حزب الاصالة والمعاصرة مؤتمره الثالث، إلا أن بواعث ودواعي صناعته لازالت قائمة إلى حد الان.
كانت رغبة الحزب هو بناء قطب ليبيرالي حداثي يقف سدا منيع للزحف الاسلام السياسي، إلا أن هذه الرؤية المثالية، عرفت صعوبات متعلق بالممارسة الحزبية والسياسية المغربيتين، فلجأ الحزب في مؤتمر الثاني إلى تبني الديمقراطية الاجتماعية المفتحة مستوردة نظريا من الدول الاسكندنافية، إلا أن هذه الاطروحة بقيت حبرا على ارض الواقع دون ترجمتها في برامج ومشاريع الحزب سواء من خلال الحملات الانتخابية أو المقترحات التشريعية داخل البرلمان أو في إطار المراقبة البرلمانية للحكومة، ليعلن في مؤتمره الاخير بتبني مرجعية تتمثل في وسط اليسار.
إلا أن الهدف الخفي من صناعة حزب الدولة بالوكالة، يتمثل في التحكم في الخريطة الحزبية بشكل فوقي، ووضع مكابح مؤسساتية وسياسية أمام أي تحالف هجين بين أحزاب محسوبة على الصف المحافظ وأخرى محسوبة على الصف الحداثي، وأخيرا تقديم احتياطي “حزبي” في أفق اي انتخابات مقبلة.
معظلة حزب “الاصالة والعاصرة” أنه لا يمتلك الشجاعة لتقديم نفسه كمشروع الدولة صراحة، ويعترف بأن التعددية الحزبية في المغرب شكلا من أشكال التوحد الايديولوجي كما علق على ذلك الباحث مشيل كامو، أو كما قال سياسي مغربي التنافس بين الاحزاب المغربية هو تنافس حول من يطبق بشكل جيد وناجع البرنامج الملكي.
المؤتمر الثالث للأصالة والمعاصرة لا يعدو أن يكون طبخة سلطوية بتوابل “بامية”، فصعب جدا الجمع بين حلاوة “التحكم” وشرف “النضال”.