المجتمع السري

بقلم: المصطفى المريزق

ليس في نيتنا أن نكتب عن الحلال و الحرام، لا لأن المقام لا يسمح بذلك فحسب، و إنما إيمانا منا بعدم التطبيل و التهويل لازدياد كلفة الأمن الوطني لحراسة الأخلاق و تتبع و رصد ضحايا الاختناق الاجتماعي الناجم عن بلوغ التفكك السياسي و الثقافي و التفتت المذهبي ذروة لم تعرفها البنية المغربية من قبل.

و في سياق مواجهة هذا الانهيار البنيوي، تلجأ السياسة الحكومية بين الحين و الآخر لنهج الرقابة الاجتماعية لضبط التعارضات و الانحرافات و تقنين ممارسات الناس و اختياراتهم و التضييق على أضواقهم و التحكم في قيمهم.

و إذا كان الهدف من الرقابة الاجتماعية و الإعلامية هو تأمين توافق التصرفات الفردية مع النظام المعياري المعمول به، فإن الرقابة بهذا المعنى تعني “الضبط” و “العقاب” و “الجزاء”. و هو ما يدفع المجتمع إلى التفكك و التفتت و الانتقال من المجتمع العلني، الذي يتحكم فيه النظام بكل آليته، إلى العيش في كنف المجتمع السري الذي يقبل التسامح و التعايش و التفاهم و السلم و السلام و لا يقبل القواعد و المبادئ المقررة و المصادق عليها. يقبل صناعة غشاء البكارة و لا يقبل أن تجر العروس للعيادة الطبية و بعدها إلى السجن، يقبل الإجهاض السري و ما يترتب عنه من آلام نفسية و فيزيقية و لا يقبل الحمل خارج مؤسسة الزواج، يقبل العنف الجسدي و الرمزي و لا يقبل اللجوء إلى القضاء، يقبل التكيف مع واقع الفقر و لا يطالب بالاندماج في المجتمع، يقبل بالبرد و لا ينتفض من أجل التدفئة، يقبل بالعطش و لا يبيع شرفه من أجل الماء، يقبل بالعزوف السياسي و لا يقبل الدخول في اللعبة.

باختصار، يقبل “الهروب” خلسة من منصة الزفاف المثالية، ليتناول جرعة من الخمر ليس بعيدا عن قاعة الفرح ضانا أنه سيعود لعروسه منتشيا بفرحته و سروره..لكن الرقابة الأمنية تلقي عليه القبض و تجره لمخفر من مخافر الشرطة، غير مبالية لا بعروسة تنتظر عريسها، و لا بفرحة الأهل و الأحباب، و أسرت على معاقبته بتهمة الانتماء إلى المجتمع السري الذي يخرج عن طاعة السلطة التي يملكها المجتمع العلني.

هذا نموذج حي – عاشه خلال هذه الأيام ابن حي شعبي بالعاصمة العلمية/عاصمة جهة فاس مكناس- من نماذج معاقبة أفراد و جماعات المجتمع السري ببلادنا. و هو النموذج الذي لم ينطبق عليه المثل الشعبي” العمل في الخفاء ينجي”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد