بقلم : الدكتور عبد الله بُوصـوف
رغـم أن لا أحـد يُجادل في دور مغاربة العالم في جميع منظومات المغرب و مساهمتهم في الـدفع بعجلة الـتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و التضامن الاجتماعي و في الاشعاع المغربي بالخارج و كذا تصدير صورته الإيجابية و أيضا نموذجه الديني المتسامح المعتدل…
و رغم أن لا أحد يُـجادل أيضا في قــوة لغــة الأرقــام التي تتكلم لغــة الشفافية و الوضوح ، و التي لا تحتاج منا الى الكثير من الوقت للوقوف على حقيقة يعرفها الجميع ، وهي ان مغاربة العالم هُـم رأسمال حقيقي للمغرب و خـزان احتياطي من الكفاءات المغربية بالخارج حيث أثبت العديــد من الوقائع ان المغرب يُـمكنه ان يعول علي أبناءه بالخارج…
فان البعض يعتقـد ان مُجرد إعادة هـذا الحديث هو مرتبط بضرورة احتفالية كالعيد الوطني للمهاجر في 10 غشت ، أو بمناسبة موسم العبور و العطلة الصيفية لمغاربة العالــم بوطنهم الأم…
فـأن نـقول ان مغـاربة العالم هــم قــوة اقتصادية ، فهذا كــلام ليس فيه مُحاباة لأحـد… و ان نقـول ان مغاربة العالم هــم رأسمال لامادي بكل عناصره الثقافية و الدينية و الهُـوياتية و الاجتماعية… فهو كلام لا يـدخل في خانة التطبيل أو مجرد اجترار للكلام …و أن نقول ان مغاربة العالم هـم بالفعل حلقة مهمة في أي مشروع اجتماعي أو مشروع تنموي متكامل …فهـذا كـلام لا ينتمي الى خرافات أو اساطير الاولين…
فليس بسـر ان المغرب على عـتبة الدخول لمرحلة جديدة على أكثر من صعيد و مستوى ، و هــو ما جاء بكل وضوح في خطاب العرش لسنة 2019 ، فيما يخص النموذج التنموي الجديد و كل ما يتطلب ذلك من تجديد للعقليات و ضخ لــكفاءات جديدة و جيل جديد من المشاريع… و غير ذلك مما جاء في الخطاب الملكي…
وهــو ما لا يجب أن يتـم بعيـدا أو بمعزل عن مشاركة و مساهمة مغاربة العالــم بصفتهم كمواطنين أولا ، و كفاعلين اجتماعيين و اقتصاديين و ثقـافيين و أطـر عُـليا في مجالات السياسة و الاقتصاد و الآداب و الفنون و الاعلام و عالم المال و الاعمال و غيرهـا… و ذلك عملا بتجارب عالمية في مجال مساهمة الجاليات في تنميـة أوطانها و نخص بالذكر هُـنا كل من التجربة الهندية و الإيطالية و التجربة البرتغالية و الصينية و المكسيكية و غيرها…
إن كل الأرقام المتعلقة بمغاربة العالم و الصادرة عن المؤسسات المغربية المختصة سواء بنك المغرب او وزارة الخارجية و التعاون أو الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج أو مكتب الصرف او مؤسسة محمد الخامس للتضامن او المكتب الوطني للسياحة او مكتب المطارات المغربية او غيرها ، تتكلم كلها لغة واحدة وهي ان مغاربة العالــم يعتزون بوطنهم و بمقدسات بلادهم ، من خلال العـدد الـمليُـوني لعودة مغاربة العالم في مشهد سنوي قـل نضيره في العالـم ، ومن خلال مظاهر الالتفاف حـول جلالة الملك محمد السادس في كل زياراته خارج الوطن ، ومن خلال استثماراتهم بالمغرب و مداخيل المغرب من العملة الصعبة ومن خلال الدفاع عن مقدسات البلاد و في مقدمتها الصحراء المغربية في كل الساحات العمومية العالمية من باريس الى واشنطن و موسكو و برلين و روما و مدريد و لندن و غيرها من الساحات العمومية ذات الحمولات السياسية و التاريخية ومن داخل المؤسسات الاوروبية….
و رغم كل الصعوبات و العراقيل الإدارية التي يُـلاقيها مغاربة العالــم ، و رغم التماطل الحكومي سواء في التنزيل الفعلي للعديد من الفصول الدستورية أو في تضمين مشاكل مغاربة العالم في السياسات العمومية ، فان ذلك لــم يمنع مغاربة العالم في التعبير اللامتناهي عن الانتماء لهـذا الوطن و الوفاء لمقدساتـه الوطنية من خلال انعـاش الاقتصاد الــوطني بحوالي 6 مليار أورو فقط سنة 2018…
وهـو رقــم لــم يصدر عن مؤسسة وطنية هـذه المرة ، بــل جاء في مقال نُـشر بجريدة لـوفيغـارو الفرنسية يـوم 13 غشت 2019 حيث تطرق المقال الى الحديث عن موسم العبور (حوالي 2،87 مليون مهاجر سنة 2018 ) و مساهمات مغاربة العالم في الاقتصاد الوطني معززة بأرقــام قــوية خاصة بسنة 2018 ، فحسب مقال لــوفيغارو الفرنسية ، فــإن مغاربة العالــم يُـمثلون 46 في المائة من مجموع 12،3 مليون سائح ، و تحويلاتهم بلغت سنة 2018 حوالي 64 مليار درهم ( 6 مليار أورو) وهو ما يعني تجاوز مبلغ الاستثمارات الخارجية بالمغرب و التي بلغت 34 مليار درهم ( 3،2 مليار ) ، و يُـضيف المقال ان مساهمات مغاربة العالم هــذه ، تُـساهم في السلم الاجتماعي و تـوفــر للمغرب العملة الصعبة التي يحتاجها في عمليات استيـراد حاجياته من الخارج…
لكننـا نعتقد انه يجب إعادة قــراءة أرقــام عائدات مغاربة العالم ، إذ في نضرننا فهي تتجاوز و بكثير المبالغ المعلنـة و هــذا ليس بتكذيب لــتلك الأرقام ، لكن فقـط يجب توسيع قــراءة قـاعـدة تلك الأرقـام ، كما نعتقد من جهة أخرى ، انه يجب إعادة تصنيف ترتيب عائدات مغاربة العالم و مشاركتها في الاقتصاد المغربي ، فــإذا شكل مغاربة العالم قــرابة نصف سياح المغرب ( اكثر من 12 مليون سائح ) ، فلا يجب ان نقول ان عـائدات السياحة المغربية تفـوق عـائدات مغاربة العالـم ، مع العلم ان مداخيل قطاع السياحة المغربية لها كُـلفة مالية و بشرية كبيرة في حين أن عائدات مغاربة العالم هــي مداخيل صافيـة و بدون تبعات مالية للدولــة…
ليس هــذا فقــط فحتى تلك الأرقــام أي 64 مليار درهم فهي تخص التحويلات الـبنكية فقـط ، بمعنى اننا نستثني ما يتركـه مغاربة العالــم اثنــاء زيارتهم للمغرب ، ففي سنة 2013 مثـلا تركوا حوالي 27 مليار درهم ( 2،4 مليار أورو ) حسب مقال لوفيغـارو الفرنسية ، أضف الى ذلك مبالغ عينية مهمة في شكل هـدايا حيث يُسمح بهدايا قـيمتها 20 ألـف درهم للمهاجر الواحد ، و بعملية حسابية في ادنى تقديراتها كفرضية 20 الف درهم كقيمة الهدايا ل 2 مليونيْ مهاجـر.. فإننا سنقف على مداخيل كبيرة جدا…
وبعيدا عن لغة الأرقــام ، فإن مغاربة العالــم كثروة مغربية لامادية خارج الحدود ، تُـمثل احتياطي مهم من الكفاءات و الإطارات في كل الميادين و بمختلف الخلفيات السياسية و الايـديـولوجية و النقابية و الحزبية و الفكرية مما يجعل منهم قيمة مضافة …في الـتأسيس لأي تصور حول النموذج التنموي الجديد…
فــلا أحــد يُـجادل في وطنيـة مغاربة العـالــم و في مــدى تشبتهم بمقدساتهم الـوطنية ، وهو ما عبر عنه مغاربة العالــم في أكثر من محطة تاريخية ، و يعبـرون يــوميا عن حسهم الوطني و تمسكهم بهويتهـم بأكثر من طريقــة…
وهــو ما يجعل من مغاربة العالم حلقة مهمة في اهتمامات النموذج التنموي الجديـد ، ليس فـقط لعائداتهم من العملة الصعبة ، بل نُضيف الى ذلك أيضا الكفاءة و الاستحقاق و الوطنية العالية و الـوفاء للمقدسات الـــوطنية و الترابيــة…