بقلم . د. ميلود بلقاضي
قرار الحكومة المغربية، اليوم الخميس رفض إبرام أي اتفاق دولي يمس بالسيادة الوطنية أو يستثني الأقاليم الجنوبية من كامل التراب الوطني، بما في ذلك اتفاق الصيد البحري مع الاتحاد الأوربي ، قرار أعاد للسلطة التنفيذية هيبتها ومصداقيتها وأثبتت للرأي العام الوطني والإقليمي والدولي انها حكومة مسؤولة ، وبان قضية الصحراء المغربية هي قضية ملك وشعب وحكومة وبأنها قضية محسومة منذ المسيرة الخضراء رغم صدمات الأحكام القانونية المسيسة الأخيرة كتلك اتخذتها محكمة جنوب افريقيا بمصادرة وحجز شحنة الفوسفاط المغربي شهر ماي الماضي بدعوى انها تعود الى منطقة الصحراء، او حكم محكمة العدل الاروبية استثناء المناطق الجنوبية المغربية من اتفاق الصيد بين الاتحاد الاروبي، أحكام تبرهن على ان هناك خلالا ما في تدبير الدبلوماسية المغربية لملف الصحراء، وتحمل بين طياتها عدة مخاطر من ناحية القانون الدولي ليس في صالح الوحدة الترابية .
وامام هذا المنعطف كان منتظرا ان ترفض الحكومة المغربية حكم محكمة العدل الاروبية جملة وتفصيلا بأمر من صاحب الجلالة التي يتابع تطور الملف بكل تفاصيله رغم العملية الجراحية التي خضع لها وكللت –والحمد لله- بالنجاح.
سياق قرار محكمة العدل الأوروبية المعارض لسيادة المغرب على صحراءه: تزامن قرار محكمة العدل الاروبية مع العودة القوية للمغرب الى الاتحاد الإفريقي بفضل السياسة الحكيمة والإستراتيجية التي يتبعها جلالة الملك محمد السادس والتي أزعجت كثيرا من القوى ليس بافريقيا فقط حتى داخل الاتحاد الاروبي، اضافىة الى انضمام المغرب للاتحاد الافريقي والى المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا- سيدياو-و الاستثمارات المهمة التي قام بها المغرب بالمناطق الجنوبية اكثر من 14 مليار دولار او بالقارة الافريقية على حساب عدة شركات اروبية .دون نسيان توقيع المغرب والاتحاد الاروبي شهر يناير الماضي وثيقة تعزز الشراكة بينهما على أساس الاتفاق الفلاحي، وإعلان الحكومة الاسبانية شهر فبراير الماضي حق المغرب في استغلال موارده في مياه الصحراء،وترخيص المغرب لعدة شركات عملاقة في التنقيب عن البترول في سواحل طرفاية وسيدي افني وطان طان ، والغريب ان تصدر هاته الأحكام ضد المغرب من محكمة العدل الاروبية شهورا على إعادة توقيع بروتوكول جديد للصيد البحري يوم 14 يوليوز القادم بين المملكة المغربية والاتحاد الاروبي.
استثناء المناطق الجنوبية من وثيقة الاتفاق الاروبي المغرب مناورة اروبية: قرار الاتحاد الاروبي كان منتظرا منذ عودة المغرب الى العمق الافريقي وبناءه شراكات اقتصادية مع عدد من شركات الدول الافريقية ، والعودة الى المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا- سيدياو- التي ستضر بمصالح بعض اللوبيات الاوربية والجزائرية وستشدد الخناق على جبهة البوليساريو على كل الجبهات الإقليمية والدولية،لذلك كان منتظرا من رد فعل الدبلوماسية الجزائرية خصوصا داخل الفضاء الاروبي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب لحثه بعدم إبرام أي اتفاق مع المغرب وفي أي مجال لا يستثني المناطق الجنوبية المغربية وفي مقدمتها مجال الصيد البحري بهدف المس بوحدة المغرب واثبات هاته المناطق كمناطق متنازع عليها بمفهوم القانون الدولي و محاولة إرجاع البوليساريو للواجهة ومنحه الشرعية وهو ما أعاد ثروات الصحراء المغربية الى حرب شكلها اقتصادي وعمقها جيو سياسي، وقد اعتقد الاتحاد الاروبي ان المغرب سيقبل هذا الاتفاق الذي يمس مبدأ سيادة المغرب على مناطقه الجنوبية لكن صرامة موقف المغرب الرافض لأي مس بوحدته الترابية سترغم دول الاتحاد الاروبي إعادة النظر في مفهوم الشراكة والتعاون مع المغرب كدولة مستقلة ولها سيادة على كامل ترابها من الشمال الى الجنوب.
مضمون حكم محكمة العدل الدولية: صدر حكم محكمة العدل الاروبية الأخير من نفس المحكمة التي أصدرت الحكم الابتدائي المتعلق التزام الاتحاد الاروبي بالقانون الدولي واعتبار اراضي المنطقة الجنوبية مناطق متنازع عليها ، مبررة حكمها على كون المياه المحيطة بأراضي الصحراء يجب ان تستثنى من اتفاق الصيد المبرم بين المغرب والاتحاد الاروبي..
حكم صادم تعاملت معه الحكومة المغربية ومؤسساتها الإعلامية بازدواجية في الخطاب متجاهلة مسؤولية الدبلوماسية المغربية عن ما وقع وما يقع للوحدة الترابية في سياق إقليمي ودولي مضطرب ،دبلوماسية تدبر ملف الصحراء المغربية المعقد بمنهجية ردود الفعل بدل المنهجية الاستباقية المبنية على اتخاذ القرارات والمبادرات ، حكم اكد سذاجة الدبلوماسية المغربية وثقتها العمياء في خطاب الدبلوماسية الاروبية ، مقابل العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية ولجبهة البوليساريو الى الواجهة الإقليمية والدولية عبر خوض حروب قانونية وسياسية توظف فيها أوراق ثروات المناطق الجنوبية المغربية في أبعادها الاقتصادية والحقوقية بعد فشلهما في كل مناوراتهما ومخططاتهما الدبلوماسية ضد المغرب، انها حرب جديدة ذات طابع استنزافي ضد وحدة المغرب لا تقوده الجزائر لوحدها بل عدة قوى قارية افريقية واروبية مست مصالحها الاقتصادية والجيو – سياسية بعد عودة المغرب السياسي والاقتصادي للعمق الافريقي.
رهانات الجزائر وجبهة البوليسلريو على الحكم : تثبت كل المؤشرات بان الجزائر وصنيعتها جبهة البوليساريو قد غيرتا آليات المواجهة مع المغرب في المحافل الإقليمية والدولية، واختارتا المواجهة القانونية المسيسة برهان إعطاء الشرعية والمشروعية لكيان وهمي متواجد على ارض الجزائر انطلاقا من استغلال أحكام قضائية صادرة من محاكم قارية متعددة : افريقية اروبية وامريكية للطعن في سيادة المغرب على أراضيه الجنوبية التي حسم مصيرها بالنسبة للمغرب منذ مسيرة 1975. انها آخر طلقات للنظام الجزائري الذي يحتضر وآخر صيحات لجبهة البوليساريو التي تتلاشئ. وعليه، فاستغلال الجزائر هاته الأحكام الصادرة ضد المناطق المغربية الجنوبية ما هو الا تكتيك جزائري لتقوية ولتعزيز الملف الانفصالي في المعارك الدولية واستغلالها ضد المغرب داخل المحافل الدولية والافريقية وان كان الحكم الصادر عن المحكمة الاروبية ليس له أي سند قانوني لاعتبار بسيط هو ان البوليساريو كيان موجود على التراب الجزائري وفاقد لكل مقومات الدولة ولا يمثل سكان الصحراء.
صرامة وحق المغرب في رفض حكم محكمة العدل الاروبية : رد الحكومة المغربية على هذا القرار كان حاسما وصارما حسب تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية الذي جاء فيه: “إذا ما تم المساس بالثوابت فالمغرب لن يقبل إبرام أو الاستمرار في أي اتفاق، بما فيه الاتفاق الحالي”، مؤكدا أيضا أن “المغرب لن يوقع أي اتفاق إلا على أساس سيادته على كامل ترابه الوطني من طنجة إلى الكويرة”.وهذا عين العقل . لكن المطلوب من الحكومة ليس إصدار ردة فعل بل عليها اخذ العبرة من حكم محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاق الصيد البحري المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي ، ومحاسبة الدبلوماسية المغربية وإرغامها بإعادة النظر جوهريا في آليات تدبير المفاوضات مع الاتحاد الاروبي لكي لا يقع نفس الخطأ مستقبلا لان مثل هاته الأحكام الصادرة عن محكمة اروبية يضعف كثيرا المفاوض المغربي ليس داخل الفضاء الاروبي فقط، بل حتى داخل هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وداخل الاتحاد الإفريقي .
الاتصال الملكي مع رئيس الحكومة كان هو الحاسم: اتصال جلالة الملك مع رئيس الحكومة -رغم العملية الجراحية-تؤكد ان ملك البلاد يتابع بدقة كل تطورات ملف الصحراء المغربية وخصوصا حكم المحكمة الاروبية وعلاقاته مع تجديد اتفاق الصيد البحري مع الاتحاد الاروبي .والأكيد ان قرار الحسم الصادر عن الحكومة كان وراءه جلالة الملك الذي تميز عهده بخطاب ومنهجية الحسم والصرامة والوضوح سواء في السياسة الداخلية او السياسة الخارجية وبالخصوص في ملف الوحدة الترابية، لذلك ينتظر الراي العام الوطني عودة جلالة الملك من فرنسا لأحداث زلزال آخر في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون. لانه لا يعقل في الوقت التي يحقق فيه جلالة الملك انتصارات إستراتيجية بالعمق الافريقي تحققه فيه الدبلوماسية المغربية انتكاسات بالعمق الاروبي
تداعيات حكم محكمة العدل الاروبية: قرار محكمة جنوب افريقيا ضد فوسفاط المغرب وقرار محكمة العدل الاروربية ضد سيادة المغرب على مناطقه الجنوبية مؤشران على ان ملف الصحراء يمر من منعطف تاريخي وكما قال الباحث ادريس الكرواي لاحدى الاسبوعيات: » لقد دخلت قضية الصحراء المغربية منعطفا مصيريا حقيقيا من الصعب جدا التنبؤ بما ستؤول اليه مخرجات سياسية اقليميا ودوليا. «
لذلك يجب على الدبلوماسية المغربية الاعتراف بخطورة الحكم مستعدة- في نفس الوقت- لكل الاحتمالات ومع ضرورة اتخاذ مبادرات جريئة في اطار الحكم الذاتي » كإطار تفاوضي واحد ووحيد لكل مفاوضات ممكنة لان المنظومة الدولية أهلته ليكون كذلك بفعل جديته ومصداقيته لكن متحلين في الان نفسه بالحزم الثابت ميدانيا ودبلوماسيا « كما جاء في تصريح الكرواي الذي ذكرناه سابقا . وعليه ، ونتيجة هذا المنعطف ونوعية الحرب الذي يخوضها اعداء الوحدة الترابية، اعتقد ان مواجهة هذا المنعطف تفرض على الدبلوماسية المغربية ترتيب أوراق دفاعها عن ثروات المناطق الجنوبية من المداخل التالية:
1-ضرورة تقوية الجبهة الداخلية والاستثمار في الموارد البشرية المؤهلة للترافع على ملف الصحراء خصوصا في الشق المتعلق بثروات المناطق الجنوبية لمحاصرة مغالطات الجزائر والبوليساريو داخل كل المحافل الإقليمية والقارية والدولية.
2-إشراك سكان المناطق الجنوبية المؤهلين في الترافع على السيادة المغربية وربط تنمية الأراضي الجنوبية بالديمقراطية وبحقوق الانسان، والإسراع بتفعيل الجهوية المتقدمة بمنح الجهات صلاحياتها الذاتية والمنقولة والمشتركة كما ينص على ذلك دستور 2011.
3- رفض كل الاتفاقيات التي وقعت سابقا او ستوقع مستقبلا مع أي دولة او أي تكتل او نظام اقليمي لا تعترف بسيادة المغرب على كل مناطقه الجنوبية
4- اتباع نهج سياسة العاهل المغربي في تدبير السياسة الخارجية المبني على البراكماتية والواقعية والصرامة والعلاقات الثنائية المبنية على المصالح المشتركة
5- تقوية الجبهة الداخلية امنيا وعسكريا خصوصا المناطق المجاورة للجزائر.
6- ضمان الحد الاقصى من التنسيق بين ما تقوم به الدولة والأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع الوطني والمؤسسات الدستورية حول ملف الصحراء خصوصا في الشق المتعلق بثروات المناطق الجنوبية
7- إعادة النظر في اللونيات التي تدافع عن مصالح المغرب خصوصا داخل الاتحاد الاروبي والولايات المتحدة الأمريكية والدول الاسكندينافية والإفريقية .
بصفة عامة حكم محكمة العدل الدولية ستكون له عدة مخاطر على الوضع الجيو سياسي بالمنطقة في ظل الانسداد الاممي والتحول النوعي الافريقي والاروبي اتجاه ملف الصحراء عموما وثروات الصحراء خصوصا وعليه اذا لم يتم محاصرته دبلوماسيا، صحيح موقف الحكومة المغربية من هذا الحكم كان صارما وجريئا لكنه غير كافي بدون اتخاذ قرارات تستدعي إعادة النظر في كيفية تدبير الدولة للثروات الطبيعية بالصحراء المغربية لسد الطريق على أعداء المغرب الذين سيستغلون مثل هاته الأحكام كآلية قانونية لمنح شرعية لكيان وهمي موجود على التراب الجزائري يستغله النظام الجزائري المريض لتصدير أزماته الداخلية نحو الخارج
استاذ التعليم العالي جامعة محمد الخامس