زنقة 20 . وكالات
فجرت زيارة «نصف يوم» للرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، للجزائر، سجالاً داخلياً تكرس بفعل الحراك السياسي الذي يطبع الساحة الوطنية بسبب عودة رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى إلى رئاسة الحزب الثاني في البلد والموالي للسلطة، في الوقت الذي يزداد فيه مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومعه الحديث عن خليفته.
ويبدو من هذه الزيارة أن باريس تستطلع كيفية الحفاظ على مكانتها في السوق الجزائرية، بغض النظر عن الحاكم المقبل، وخصوصاً أن القضية تزداد وتيرتها تسارعاً، في ظل أنباء من دوائر مقربة من السلطة عن «انتخابات رئاسية مسبقة في 2016»، تسبقها عملية لتعديل الدستور.
أتى هولاند إلى الجزائر مع أن قصر الإليزيه حرص على التأكيد أن الرئيس الفرنسي لا يتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، لا من قريب ولا من بعيد، وهذا موقف مفهوم بالنظر إلى العلاقات المعقدة بين فرنسا، المستعمر السابق، وبين الجزائر.
وبالنظر إلى زيارة هولاند في هذا التوقيت، فإنها تبدو فرصة لمعرفة التغيرات عن قرب، وذلك وسط الحراك السياسي الدائر الذي أثاره أويحيى بشخصه، على اعتبار أنه أحد المرشحين لدخول قصر الرئاسة، وترافق ذلك مع تصريحات رئيس الحزب الحاكم عمار سعداني التي تنتقد وجود تحالف سياسي لدعم بوتفليقة يكون فيه الحزب الحاكم مرتبطاً بغيره، وأيضاً استقواء المعارضة بتأسيس حزب «طلائع الحريات» لزعيمه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس المنافس الشرس لبوتفليقة (راجع عدد أمس).
باللغة الرسمية، عكس بيان الرئاسة الجزائرية التشديد على أن قدوم هولاند هو زيارة «صداقة وعمل» فقط، وأنه «يندرج في سياق يتميز بتعميق معتبر للحوار السياسي بين البلدين، ويرتكز على إعلان الجزائر حول الصداقة والتعاون الموقع من طرف رئيسي الدولتين في كانون الأول 2012»، وأنه أيضاً استكمال لـ«نتائج الدورة الثالثة للجنة الوزارية المشتركة الجزائرية ــ الفرنسية المنعقدة في أيار الماضي».
لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الجزائرية ــ الفرنسية، تتلقف المعارضة الموضوع بحساسية شديدة، إذ قال رئيس حزب «الفجر الجديد» المعارض، الطاهر بن بعيبش، ، إن «باريس صارت في المدة الأخيرة تستغل ظروف الجزائر لابتزاز نظام لا يملك الشرعية»، معبراً عن مخاوفه من محاولة التدخل في القضايا السياسية «مثل ترتيبات ما بعد بوتفليقة».
في المقابل، قدم «تجمع أمل الجزائر» الموالي للسلطة، على لسان المكلف بالإعلام، نبيل يحياوي، قراءة أخرى انتقد فيها أصوات المعارضة التي تحدثت بإسهاب عن علاقة الزيارة بـ«خليفة بوتفليقة».
قال، إن أي موضوع له أبعاد سياسية من الطبيعي أن يثير ردود المعارضة التي «لا تملك برنامجاً حقيقياً، وما يهمها هو تنحي بوتفليقة فحسب، حتى تجلس على كرسي الرئاسة».
وأشار يحياوي إلى أن الجزائر أصبحت مزاراً لكل الدول «لأنها نموذج في تسيير أزمات الدول في إطار الحوار والمصالحة».
على خلاف ذلك، يملك الضابط السابق في الاستخبارات الجزائرية، هشام عبود ــ المقيم في فرنسا ــ تفسيراً آخر، إذ يشير إلى أن هولاند لم يزر بوتفليقة حينما كان الأخير في باريس للعلاج داخل المستشفى العسكري «فال دو غراس»، ولا أثناء النقاهة التي قضاها في معهد «لزنفليد»، على أنه في هذه الزيارة يكون قد رد الاعتبار للرئيس الجزائري الذي لم يكن في أحسن أحواله وقت العلاج.
هو الأمر نفسه الذي ذهب إليه القيادي في الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) والوزير الأسبق عبد الرحمن بلعياط، إذ أكد أن الزيارة «عادية وتندرج في إطار الزيارات المتبادلة… الجزائر لا تقبل لأحد التدخل في شؤونها وفرنسا تعلم ذلك».
يشار إلى أن دبلوماسياً فرنسياً قال قبل الزيارة إن هولاند «لن يتدخل بطريقة مباشرة ولا غير مباشرة» في قضية خلافة بوتفليقة التي «ليست في رأيه اليوم مسألة مطروحة». في غضون ذلك، أحيت زيارة هولاند مشروع «تجريم الاستعمار» الذي بادرت إليه مجموعة من نواب البرلمان في وقت سابق وتم تجاهله من مختلف الحكومات المتعاقبة.
وقد تهجم صاحب فكرة المشروع، وهو النائب عن الحزب الحاكم موسى لعبيدي، في رسالة وجّهها إلى الرئيس الفرنسي ــ عشية وصوله إلى البلاد ــ على «الانقلاب وإدارة ظهره للشعب الجزائري بكل استخفاف ودون أي اعتبار في مسألة الذاكرة»، مضيفاً إن «الشعب الجزائري لن يقبل صداقتكم على حسابه وشرفه».
ولدى وصول هولاند إلى مطار هواري بومدين، شدد على «الحرب المشتركة» بين البلدين «ضد هذا العدو المرعب والشرس الذي وجهنا له ضربات، وآخرها قبل ساعات»، في إشارة ــ على الأرجح ــ إلى مقتل مختار بلمختار (مدبر عملية الهجوم على مصنع الغاز بان اميناس في 2013) خلال ضربة جوية أميركية في ليبيا.
كما عبر عن امتنانه للحكومة الجزائرية «التي تمكنت من الوصول إلى قتلة هيرفيه غورديل وعثرت على جثته» الذي اختطف وقتل في الجزائر.
كذلك التقى الرئيس الفرنسي، رئيس الوزراء عبد المالك سلال، قبل أن يلتقي نظيره بوتفليقة، وهي ثاني زيارة لهولاند بصفته رئيساً للجزائر بعد زيارة أولى في كانون الأول 2012، علماً بأن عهد سلفه نيكولا ساركوزي شهد فتوراً في العلاقة بين البلدين.