هل يفلح “البام” في إنجاح ما أفسَده الدٌهر على مر السنين بإقليم تاونات؟

زنقة 20 _ المصطفى المريزق*

لقاء تاونات.. بين حتمية الوعي الوطني و التضحية النضالية

شهدت مدينة تاونات يوم السبت 6 يونيو 2015، لقاء تواصليا نظمه حزب الأصالة و المعاصرة مع آلاف المواطنات و المواطنين من مختلف مدن اّلإقليم و جماعاته القروية، بحضور ثلة من القياديين على الصعيد الوطني، والمنتخبين و المسؤولين الحزبيين من مختلف المواقع و البقع الجغرافية.
و إذا كان اللقاء قد تميز بحضور نوعي و كمي على صعيد العديد من المستويات، فما يجب أن نسجله للتاريخ هو إنتاج سكان اقليم تاونات اجتماعيا و سياسيا لوجودهم.

هذه الصيغة من الوجود ليس معناها المساحة المغطات للمهرجان الخطابي، و لا تعداد الحضور للمقارنة مع فاعلين سياسيين آخرين، و ليس ذلك الوجود الجغرافي لمدن و قرى الإقليم، بل الوجود المجتمعي التاريخي لهذا الجزء المكون للوطن.

فعندما حصل المغرب على الاستقلال سنة 1956، و شرع في بناء مغرب ما بعد الاستقلال، سلم أهل و سكان إقليم تاونات بنادقهم و بارودهم وصاروا يحصون الشهداء و المعطوبين و الهاربون من بطش أعداء المقاومة و جيش التحرير.

لم يكن سكان هذه المنطقة يقتاتون آنذاك إلا من إنتاج زراعي معاشي صغير و بسيط. أما الإنتاج الرأسمالي، فكان لا يزال ضعيف التطور و النمو، و الطبقة العاملة كانت ضعيفة كميا بالمقارنة مع الفلاحين الذين كانوا و لازالوا يشكلون الأغلب آية الساحقة في المنطقة و في المجتمع.

و مع مرور الزمن، ازدادت الأوضاع الاجتماعية تفاقما، و التي كان من نتائجها المباشرة تدمير جزء كبير من بنيات المجتمع المحلي التقليدي و الدفع بغالبية السكان للهجرة ولاختراع حرف معاشية و بعض أنواع الصناعة التقليدية من دون تكوين و لا مساعدة، انطلاقا من المثل الشائع ” الحاجة أم الاختراع”.

في هذه الشروط الغير المواتية لنمو و تقدم المنطقة، بدأ الإحساس بالعزلة و الحكرة. و كان و اضحا أن المنطقة لا تدخل في اهتمامات الدولة الحديثة، لكنها كانت مجبرة و ملزمة بتقديم كل ما من شأنه إطفاء طابع الشرعية على المؤسسات.

لقد انتصرت المقاومة و جيش التحرير، و تركت ورثتها، و خلفت أبناءها البررة الذين تبلورت لديهم طباع فولاذية من خلال النضال و من خلال التحدي و الإيمان بحب الوطن.

و استحضارا لكل هؤلاء الوطنيين و لجيل الماركسيين و الشيوعيين و الاشتراكيين و القاعديين، و تكريما لتضحياتهم، سجل التاريخ صمود المئات من أبناء المنطقة رغم الجمر و الرصاص و واقع الأزمة و الهزيمة و البؤس و البربرية. لكن رغم تلك التضحيات الجسام، لم تفتح الدولة أي حوار مع الفاعلين في هذه المنطقة.

وبدون العودة إلى الوراء، من الواجب التذكير بالفئات التي استفادت من الاستعمار و من الاستقلال، و خلقت ماكينة للبؤس و البربرية و الفوضى، و استطاعت السيطرة على خيرات المنطقة و على جزء كبير من أبنائها. و هكذا نمى التسلط و ترعرع بفضل دعم الخونة ، حتى تربع على كل مؤسسات المنطقة، و أصبح لاعبا محترفا يمتلك من المال و القوة ما يجعله مافيا/محمية، لا تخاف و لا تستحيي.

لقد تمحور لقاء تاونات حول سد فراغ النضال الديمقراطي بالمنطقة. و أدى قياديو الحزب قسم الصدق و الالتزام ب “الكلمة”، و لكن هل ينجح حزب الأصالة و المعاصرة في إنجاح ما أفسده الدهر على مر السنين؟

إن بعض مهمات الديمقراطيين المسجلين في اللوائح الانتخابية، تبرز اليوم كضرورة تاريخية لإقامة علاقات و ثيقة مع ضحايا الدهر،حيث لم يعد من الممكن انتظار انقطاع التيار الكهربائي لنتحرك بسرعة من أجل إرجاع الضوء.

لقد و صل السيل الزبى، و علينا اليوم أن نختار بين اللعب على تلبية الرغبات الذاتية، أو النزول عند شعب الفلاحين الذين لم ينل حظه عبر التاريخ.
اليوم، لا يكفي الإخلاص للقضية و تحميل المسؤولية للآخر حسب حجم المطالب و الطموح. اليوم، يجب أن نعانق شعب الفلاحين و مزارعي القنب الهندي، و أن نكون في مقدمة النضال من أجل تحررهم و تحريرهم و أن نناضل بجنبهم من أجل إطلاق سراحهم و ووقف المتابعة ضدهم. و تعتبر هذه المطالب في مقدمة المهام التي وضعها حزب الأصالة و المعاصرة على عاتقه طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور و الذي ينص على دور الحزب السياسي و دوره في تأطير المواطنات و المواطنين و تكوينهم السياسي و تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية و في تدبير الشأن العام.

إن حتمية النضال إلى جانب الفلاحين يحكمها قوانين يدركها الوعي الوطني اليوم، باعتباره ناتج عن حركة التاريخ نفسه. و لكي نبني وعينا الوطني هذا، علينا بناء حد معين من الوعي السياسي و الاجتماعي للانخراط في التغيير.

إن وضيفة الدولة في إقليم تاونات، أصبحت تقتصر على تكوين الطبقات الكادحة و مناهضة تطلعاتها، في غياب أي بديل تنموي (اقتصادي و ثقافي). لذلك يجب الكشف عن أنواع التضليل الايديولوجي الذي تقوم به لستر و جهها الطبقي، كما يجب تفكيك العلاقات الإقطاعية التي أدت إلى نشوء طبقة الفلاحين المعدمين بإقليم تاونات.

أخيرا، إن ما أثاره حزب الأصالة و المعاصرة بإقليم تاونات من مواضيع بمناسبة لقائه التواصلي الأخير، يجعلنا أمام معادلة صعبة جدا. فإما أن نصمت و نتفرج على ما يقترف في حق الفلاحين الكادحين، و إما أن نفجر كل أنواع النضال لنصرة أبناء الشعب من أجل تنظيم المقاومة الثانية و عنوانها: توفير الشغل و تنظيم التعاونيات و بناء المدارس و القناطر و الطرقات و توزيع الدخل الوطني بطريقة عادلة.

* المصطفى المريزق: الأمين العام الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة فاس مكناس

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد