معهد كارنيغي : مبادرات فاشلة تم التخطيط لها لإخماد الإحتجاجات في الريف

زنقة 20 . الرباط

في مقابلة نشرت على الموقع الرسمي لمعهد كارنيغي قالت إنتصار فقير، خبيرة شؤون المغرب ومحرّرة “صدى” في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي،أن شرارة الاحتجاجات المتواصلة بالريف منذ أكتوبر 2016، جاءت كردّة فعل على مصرع بائع السمك الشاب محسن فكري طحناً بين فكَّي آلة طحن النفايات، وهو يحاول استعادة أسماكه التي صادرتها الشرطة ورمتها.

واعتبرت ذات الباحثة أنه ما لبث أن غدا مصرع فكري رمزاً قويّاً وتجسيداً لحالة الازدراء والإهمال والحرمان التي يشعر العديد من سكان الريف بأنهم ضحاياها.

و اشارت ذات المسؤولة في معهد كارنيغي أن جذوة المظاهرات ظلت مشتعلة على مدى ثمانية أشهر تقريباً وإن بوتائر متباينة، يتأجّج لهيبها حيناً ويخفت حيناً آخر لكن وتيرتها تصاعدت حدّتها (شهدت المنطقة الاحتجاجات الكبرى شهريّاً، والاحتجاجات الأصغر أسبوعياً، أو مرتين في الأسبوع، أو عند الضرورة) – بدءاً من أوائل أبريل الماضي تحديداً، حيث بات يُطلَق عليها بشكلٍ متزايد اسم حراك الريف، مايشي بتنامي زخمها وأهميتها.

و اعتبرت ذات المتحدثة أن المظاهرات رمت في البداية إلى تحقيق العدالة لمحسن فكري، إلا أنها سُرعان ماركّزت على المطالبة بمعالجة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية التي تعاني منها منطقة الريف.

“فواقع الحال أن التنمية في المغرب غير متوازنة، وأن مناطق واسعة من البلاد تعاني من نقصٍ في الخدمات، ناهيك عن أن الكثير من المغاربة يرزحون تحت وطأة الفقر المُدقع وتعوزهم الموارد الأساسية، مثل مياه الشرب والرعاية الصحية والتعليم والفرص الاقتصادية يُضاف إلى ذلك أن تاريخ منطقة الريف محفوفٌ بالخلافات” تضيف ذات الكاتبة.

و أوضحت “إنتصار فقير” أن جهود الحكومة تباينت في استجابتها للحراك الاحتجاجي. فقد انهمك المسؤولون، بُعيد مصرع فكري، في تهدئة بركان الغضب الشعبي عبر فتح التحقيق في الحادثة فوراً ومحاسبة المسؤولين (المباشرين) عنها ومؤخراً، تحدّث مسؤولون حكوميون عن الحاجة إلى معالجة الأسباب الكامنة خلف هذا الغضب الشعبي، ولاسيما من خلال طرح برامج جديدة تُعنى بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية – وهذا أمرٌ يشعر العديد من سكان الريف بأنهم حُرِموا منه. لكن هذه الخطوات الإيجابية الأولية لم تكن كافية للتخفيف من حدّة التوتّر.

واعتبرت ذات الباحثة أن الحكومة بذلت جهوداً منتظمة لتصوير المتظاهرين على أنهم يعملون لحساب “قوى خارجية” أو أن لديهم “توجهات انفصالية” و لاتزال الحسيمة ترزح تحت قبضة أمنية حكومية مشدّدة، كما أن أجهزة الأمن تدخّلت أحياناً لتفريق المتظاهرين بالقوة، إذ وردت تقارير مفادها أن عناصر الشرطة أطلقوا رصاصات مطاطية وغازات مسيلة للدموع على المتظاهرين.

“ومن المؤكد أن القمع العنيف الذي تمارسه وزارة الداخلية على نحو مطّرد، واعتقال الزفزافي بتهم مبالغ فيها، والبيانات التي تصف المتظاهرين “بالعملاء” أو “الانفصاليين” أو “المحرّضين”، ستؤجّج مشاعر الغضب والتهميش المشروعة” تضيف ذات المتحدثة.

و أشارت الباحثة في المعهد إلى أن “رئيس الوزراء سعد الدين العثماني وباقي أعضاء الحكومة اعتبروا عاجزين إلى حدّ كبير عن تنفيس التوتّرات. وقد سلّط الكثيرون في المغرب الضوء على عدم وجود شخصية وطنية قادرة على التدخُّل لتهدئة الوضع، وسماع مطالب المتظاهرين، والوعد بإيجاد حلول ذات صدقية. وكانت الأحزاب والشخصيات السياسية حذرة من الانجرار إلى ما تعتبره وضعاً متفجراً، خاصةً وأن وزارة الداخلية والحكومة تعملان جاهدتيْن من أجل إيجاد حلّ للأزمة المتفاقمة”.

و اشارت إلى أن “الياس العمري، رئيس حزب الأصالة والمعاصرة والمتحدِّر من الريف،كان قد دعا إلى الحوار للتخفيف من حدّة التوترات، وهي دعوة نُظر إليها على أنها خدعة، بما أنه هو نفسه جزء من جهاز الدولة الذي يُعتبر مصدر حنق المتظاهرين”.

واعتبرت الباحثة أن “وفد حكومي التقى مع قادة التظاهرات المحليين في 22 ماي، مقدّماً إليهم عدداً من مبادرات التنمية المحلية تناهز قيمتها مليار دولار، لكن هذه المحاولة لم تخفف فوراً من وطأة الاحتجاجات. كما جرى التخطيط لمبادرات أخرى من بينها إعلان وزير الإسكان نبيل بن عبدالله في 25 ماي أنه سيتم، بموجب تعليمات الملك، بناء 5000 وحدة سكنية في المنطقة لتلبية النقص في المساكن، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية”.

و أوضحت ذات المتحدثة أن “الملك محمد السادس لم يتحدّث مباشرةً عن المظاهرات، باستثناء القول إنه أوعز إلى المسؤولين بطرح مختلف المبادرات، اتّساقاً مع محاولاته للنأي بالنفس عما يجري. وبرزت مطالبات عبر الفايسبوك دعت الملك إلى التدخُّل شخصياً لتهدئة الوضع. وعلى الرغم من أن هذه الدعوات تُظهر صورة الملك كمخلّص، إلا أنها تبالغ في تقدير نفوذه في الريف، التي يعجّ تاريخها بالنزاعات وبمشاعر التهميش المتجذّر”.

“سيعتمد مستقبل هذه الاحتجاجات وميلها إلى مزيد من التفاقم إلى حد كبير على كيفية تعامل الحكومة معها. حتى الآن، لم تفشل الجهود المبذولة لإيجاد طريقة التعامل الصحيحة وحسب، بل يبدو أيضاً أنها زادت الطين بلّة. من الممكن أن تتردد أصداء خيبات الأمل في الريف في جميع أنحاء البلاد، وهذا بدأ يحدث بالفعل. لكن، إذا أقرّت الحكومة بالحرمان والإهمال في المنطقة وتصدّت لهما، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، حادث مقتل فكري، فمن غير المرجّح أن يتوسع نطاق الاحتجاجات” يضيف ذات تحليل الباحثة في معهد “كارنيغي”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد