بقلم : د. عبد الله بوصوف | الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج
نعتقـد أنه يُـمكن وصف الخطابات الملكيـة بمختلف المناسبات الدينية أو الوطنية أو التشريعية …أنها تحمل رسائــل ” ثــورة هــادئة ” على كل التحديات و المعيقات التي تقف امام تطور المغرب ومظاهر التنمية البشرية و الارتقاء الاجتماعي…تحت عنوان كبير أي النموذج التنموي الجديــد…
و هكـذا شهدنــا خُـطبا تتضمن زلـزالا سياسيـا و أخرى تتضمن نـقـذا قـويـا بخصوص القنصليات و السفارات المغربية بالخارج و أخرى تتعلق بالإدارة المغربية و المرافق العمومية ، وأخـرى مُحفزة ومُوجهــة و مُـشخصة و نـاقـدة بكل موضوعية ، خطبـا تـرتفع عن الأشخاص و المؤسسات و تصطف الى جانب المواطن و الوطـن…لكــن الــقاسم المشترك بين كل هــذه الخُطب هـــو الـنقد البنـاء المقرون بالأفعال لا الاقــوال …..
وهو ما يجعل منها سلسلـة متناغمة و سلسة و ليست ولـيدة انفعالات آنيـة ، بل حاملة لتصورات استراتيجية و ايجابـات عن انتظارات ملحة تخدم جوانب من النموذج التنموي الجديد…
فاذا كان خطاب عيد العرش الأخير (يوليوز 2018 ) قد تناول المقاربة الاجتماعية و العمل على الارتقاء الاجتماعي من خلال الاستثمار و خلق فرص الشغل لضمان العيش الكريم للمواطن ، فان خطاب الذكرى 65 من ثورة الملك و الشعب ( 20 غشت 2018 ) جاء بمضامين عـديـدة تشترك مع خطاب عيد العرش في عنصر الاهتمام بالعنصر البشري و الارتقاء بــه من خلال منظومة التربية و التعليــم و التكوين و علاقة كل ذلك بسوق الشغل …و هــو ما عبــر عنه خطاب 20 غشت بالثروة الحقيقية للمغرب أي الشباب…و كيفية الاهتمام بالرأسمال البشري المغربي….
لـقـد تنــاول الخطاب إشكاليــة التكوين و التشغيل بمقاربة غلبت عليها الـقراءة السوسيولـوجية ( المجتمعية ) من خلال طرح تساؤلات تسكـن في نفــوس أغلــب الشباب المغربي من خلال إثــارته لمسألة تكافــؤ الفرص و الحظوظ في التعليـم الجيد و الشغـل الكريــم ، و أن تمكين الشباب من الانخراط في الحياة المهنية و الاجتماعية ليـس امتيازا طبقيـا…و الإقـرار بـأن عـدالــة الحقوق و الواجبات تفتــح طريق الـثقـة و الأمـل في وجه الشباب المغربي…
والعميق في تناول الخطاب لقضايا الشباب من خلال هذه المقاربة المجتمعية هو التأكيد على ” ان قضايا الشباب لا تقتصر فقط على التكوين و التشغيل ، و انما تشما أيضا الانفتاح الفكري و الارتقاء الذهني و الصحي….” مما يرفع سقف الاشتغال على قضايا الشباب ليس على مستوى التكوين او التشغيل فقـط ، بـل الى مستويات التوجيه الفكري و جودة التكوين ومناخات التأطير و التحصيل العلمي و المعرفي و أيضا ســوق الشغــل…
كما وضعنــا الخطاب جميعا أمـام حقيقة مُـرة تـرتبط بالشباب و هي رغبة الكفاءات العلمية و المهنية المغربية في الهجرة الى الخارج من جهة ، و العمل على استقطاب خرجي الجامعات و المعاهد العـليا من طلبة المغرب بالخارج من جهة ثانيـة ، و التي لا يمكــن ارجاعهـا على الاطلاق الى التحفيزات المادية فقـط ، بل أيضا الى مناخات الاشتغال و بالشروط الملائمة للابتكار و البحث العلمي و أيضا بعقلية التسيير و التدبيــر و الترقي المهني…خاصة في زمن أجـواء العولمة وسهولة الاتصال و التواصل و البحث عن عوالـم جديـدة مما جعل الخطاب يدعــو ” للإنكباب بكل جدية و مسؤولية على هذه المسألة من أجل توفير الجاذبية و الظروف المناسبة لتحفيز هذه الكفاءات على الاستقرار و العمل بالمغرب…”
و هي بالمناسبة فـقــرة تتبنى أقــرب التفسيرات و القــراءات لمفهـوم ” مؤشرات الجاذبية ” بكونهـا ” قُــدرة نظام معين على جذب الافــراد و رؤوس الأموال ، مُـفـظـليـن الإقامة و إنشـاء أنشطـة مُنْـتجـة….”
مما يــرمي بالكرة في اكثــر من مجال يــرتبط بمؤشرات الجاذبيـة ، كعصرنة الإدارة المغربية و رقمنـتهـا و كــذا تسـريـع مساطر معادلـة الـشواهـد العـليـا لمغاربة العالــم ، خصوصا اذا علمنا ان عـدد الطلبة المغاربة بالخارج يــرتفع سنـة عن أخــرى و في مجالات تـقـنية و مهنية معقـدة و مهمة…بــدليـل تصدر المغاربة عدد الطلبة الأجانب بفرنسا مثلا بحوالي 38 ألف طالب حسب ” الـوكالة الفرنسية للنهـوض بالتعليم العالي و الاستقبال و الحركية الدولـية ” ، كما ان العديد من المراقبين يتداولــون احصائيات من قبيل وجود حوالي 7000 طبيب بالخارج و 320 الف طالب من الحاصلين على شهادة باك + 5 ، و وجود عشرات المئات من مغاربة العــالـم في مواقع مسؤولية من درجات رفيعة المستوى….
رغبـة الشباب المغربي و خاصة ذوو الكفاءات المهنية و العلمية في الهجرة ، يحمل في طياتـه فشل المنظومة التعليمية بإنتاجها لأفـواج من العاطليـن و صعوبة الانــدماج في ســوق الشغل ، كما يعني هــدرا كبيرا للموارد العمومية و كذا لطاقات الشباب ، و في نفس الآن يشكل صعوبة للمقاولات في بحثها عن الأطر و الكفاءات العلمية و المهنية … مما يعرقــل خطها الإنتاجي و يعرقــل أيضا التنمية عموما ، مما يجعل من هجرة الكفاءات أو عــدم رغبتها في العودة للمغرب نــزيفـا اجتماعيا و اقتصاديا كبيــريْـن خاصة و انه يهـــم الرأسمال البشري للمغرب…
لذلك ركــز خطاب 20 غشت 2018 على “….وضع آليات عملية كفيلة بإحداث نقلة نوعية في تحفيز الشباب على خلق المقاولات الصغرى و المتوسطة في مجالات تخصصاتهم و كذا دعم مبادرات التشغيل الذاتي و انشاء المقاولات الاجتماعية….”
وهــو مـا يعني في جانب آخــر حماية الملكية و بــراءات الاختراع و العلامات التجارية و المصنفات الأدبية و الفنية و غيرها ، لأنها أصبحت مؤشرا على صورة الـدولـة و جــودة منتوجاتهـا و قـوة اقتصادها و قــوة بحثهـا العلمي و تـقـدم جامعاتهــا.. كما أنهـا تشكل كذلك جــزءا من الرأسمال اللامادي….
و هـــو ما يعني كـذلك الإهتمام بـالمخترعـين المغاربة و تشجيعهـم مـاديـا ، و تـمكينهـم من محيـط يسمـح لهـم بـالمـزيــد من الإبتكــار عن طـريــق تـوسيع حمايـة الـدولـة لإختـراعاتهـم و الـتخفيف من التكاليف ( الرسوم ) المادية لـتسجيــل الإختـراع ، أيـضا الـعمل على ملائـمة الـقوانين الـمحلية مع المعايير الـدولية في مجال حماية الملكية الصناعية…
وهــو مـا يعني مسـؤولـية المكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارية في هـــذا البــاب….لأن حماية الملكية الصناعية و التجارية بالمغرب ، فيها تطويـر للانتاج الوطني وتحسين جودتـه و تـأهيله للمنافسة ، و كـذلك يساهـــم في الـحد من نزيــف ” هجرة الكفاءات و الأدمغـة المغربية ” و استقطاب الموهوبين و الـمبدعين من مغاربة العالــم ، وتـشجيع للبحث العلمي …
و أخيـــرا فخطاب 20 غشت 2018 حـددنا لــنا موعــدا جـديــدا مع ” ثـــورة جديــدة ” و قــبل نهايــة هــذه الـسنة بتنظيــم لقـــاء وطني للتشغيل و التكويــن لـبلورة قرارات عملية و إطلاق مبادرات ووضع خارطة طريق مضبوطة للنهوض بالتشغيل….”
حيث سيجلس أعضاء العائلــة المغربية الــواحــدة من كل مؤسسات القطاع الخاص و العام و المهنيين و الإعلاميين و المنظريــن و النقابات العمالية و المهنية و الهيئات الــتقنية و كذا ممثلي مغاربة العــالـم حــول طاولـــة واحــدة لـتـدارس أوضاع و قضـايا أحــد أفــرادها أي قضايــا الشبـاب المغربي….