بُوصـوف: ‘الحروب الإقتصادية الحالية تُحتمُ علينا إهتماماً خاصاً بمغاربة العالم وتبسيط إجراءات الإستثمار’

بقلم : د. عبد الله بوصوف | الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

يعرف مغرب اليوم أكثر من أي وقت مضى، نقاشا بجُرعة جُرأة أقوى خاصة مع تواجد قنوات التواصل الاجتماعي التي تـسهل عملية التواصل والانتشار وكذا اتساع هامش الحرية في البلاد؛فالتعبير عـن وجهة نظـر حُيال موضوع معين ليس بالقطع عنوانا للحقيقة، بــل هو فقط إبداء للرأي ضمن مجموعة الآراء المختلفة مع ضرورة التحلي بمعايير الموضوعية والمسؤولية.

إن حالة القلق التي تسكننا وترمي بنا في مسالك التفاصيل والجزئيات تدفعنا إلى طرح العديد من الأسئلة والتي نبغيبعـدها إجابات عن إشكاليات هُـن بنات لحالات القلق الإيجابي.

فموضوع الاستثمار مثلا، حضي بأولوية كبيرة منذ السنوات الأولى لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش البـلاد، أي منذ الرسالة الملكية في يناير 2002 وإحداث المراكز الجهوية للاستثمار، مرورا بخطاب العرش لسنة 2017 حيث خص جلالته هـذه المراكز بتشخيص قــوي وأنها تُعيـق الاستثمار، ووصولا الىخطاب العرش 2018 والتي جعل من التسريع بإخراج الميثاق الجديد للاستثمار وتفعيل اصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وغيرها، كورش إصلاح وطني كبير، يدخل في مسلسل الجهوية المتقدمة

فالاستثمار هو مرادف لمصطلح خلق الثروة، ويـوازيـه خلق فرص الشغل وخلق التنمية، مما يعني الارتقاء الاجتماعي وظروف حياهكريمة للمواطن المغربي…وهـــو ما أكـده خطاب العرش لسنة 2018 بقوله ” فإنني كنت ولا أزال مقتنعا بأن أسمى اشكال الحماية الاجتماعية هو الذي يأتي عن طريق فرص الشغل المنتج والضامن للكرامة“.

وباعتبار مغاربة العالم جزء لا يتجزأ عن الوطن، بانتظاراته وبمعيقاته وبآماله وبطموحاته، فقد التزمت الدولة بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 16 من الدستور «على تقوية مساهمتهم في تنمية وطنهم المغرب“. وهو ما يعني تهيئة أرضية المساهمة في التنمية من خلال مؤسسات فعالة ومتخصصة في مجال الاستثمار، سـواء المراكز الجهوية للاستثمار أو اللجان الجهوية الموحدة، مع تفعيل الإصلاحات الإدارية وتبسيـط المساطر في إطار سياسة القرب من المستثمرين وتبني هذه المراكز لآليات تحفيزية وتـشجيـع الاستثمار

فمغاربة العالم هـم في الآن ذاته، رأسمال لامادي للمغرب ورأسمال كفاءات وخبرات كبيرة ورساميل من العملة الصعبة سـواء عبر التحويلات أو مختلف الاستثمارات، كما أنهم ينتمـون لكل جهات المملكة الاثني عشر 12، مما يرفع مسألة مساهمتهم بشكل فعال في تنمية البلاد، وهو ما يجعل الحاجة ملحة إلىمؤسسة قادرة على احتواء كل هذا التعدد والتنوع والغنى والإشراف على عملية المرافقة والتوجيه لهؤلاء المواطنين المتعددين لإيجاد فرص النجاح في وطنهم الام.

وتصب كل الدراسات والمؤشرات، في رغبة أكيدة لمغاربة العالم في الاستثمار بالمغرب، سـواء في العقار او الخدمات أو التجارة أو المقاولات المتوسطة والصغرى، لكن منطق الأشياء يقول بضرورة وجود مؤسسة عمومية تقوم بكل مهام الوساطة والدعم والمرافقة وتبسيط المساطر، تفعيلا للفقرة الثانية من الفصل 16 من الدستور، وهو التزام دستوري من الدولة تجاه مواطنيها من مغاربة العالم.

التقييم والنقد البناء: الحلقة المفقودة

لقد راكمت الدولة المغربية في علاقتها مع مغاربة العالم العـديد من التجارب والوصفات لإشراك مغاربة العالم في تنمية البلاد،لكن لظروف أو لأخرى سرعان ما كان يتم التخلي عنها واستبدالها بمشاريع أخرى مصحوبة بتبريرات تنتمي إلى فئة “وجهة نظـر” أي انها ليست الحقيقة المطلقة.

وهكذا عاش مغاربة العالم تجربة “ينكوموهي مبادرة تتلخص في إحداث منتدى للكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، والذي عُهد إليه القيام بالديبلوماسية الاقتصادية في الولايتين الأولى والثانية بعد إحداث قطاع وزاري مستقل مكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج، تحت إشراف الاشتراكيين السيدة نزهة الشقروني، والسيد محمد عامر. ثم جاءت تجربة مغربكم” كمنصة افتراضية موجهة لكفاءات مغاربة العالم، جاءت لتكون جسرا بين الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين بالمغرب وكفاءات مغاربة العالم، كما أريد لها أن تكون الإطار المنظم لنقل المعلومات المتعلقة بفرص الشغل والأعمال والتعاون والاستثمار والتشغيل، وقد انضم إلى هذه التجربة في عهد الوزير الاستقلالي عبد اللطيف معزوز، كل من الاتحاد العام لمقاولات المغرب وجامعة الاخوين وكذا الجامعة الدولية للرباط.

وأخيرا وفي نفس السياق، جاءت تجربة “الجهة 13في الولايتين الوزاريتين السابقة مع السيد أنيس بيرو، الذي وقع الأحرف الأولى لاتفاقية المتعلقة بهذه المبادرة، مع الرئيسة السابقة للاتحاد العام لمقاولات المغرب السيد مريم بنصالح، هذه الأخيرة ستعطي الانطلاقة العملية لهذا المشروع مع الوزير المنتدب الحالي المكلف بمغاربة العالم وشؤون الهجرة، السيد عبد الكريم بنعتيق.

وتهدف هذه المبادرة إلى إنشاء منصة افتراضية لتبادل التجارب والمهارات، وتربط أواصر التعاون والشراكة بين المقاولين المغاربة بالمهجر والمقاولات بالمغرب، إضافة إلى كونها “بوابة تفاعلية للاطلاع على المعطيات الاقتصادية وكذا “لإمداد المستثمرين المحتمليـن من مغاربة العالم بتشخيص دقيق للواقع الاقتصادي بالمغرب وتمكنهـم من التفاعل مع ارباب المقاولات داخل الوطن“.

الآن وبعد مرور سنة على إطلاق مبادرة “الجهة 13″، بدات بعض الأصوات تطالب بضرورة تقييم هذه التجربة والتوقف على حصيلة سنتها الأولى بإجابياتها وسلبياتها.

ومن أبرز الملاحظات المرافقة لهذه المبادرة التي تهدف دعم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وتفترض التوصل إلى نتائج تخدم المصلحة العامة، هو التباين الملحوظ بين مقاربة الوزارة ومقاربة “الباطرونا” في فهم فلسفة “الجهة 13”.

وبمعنى أوضح فإن فـلسفـة الوزارة تعني مستثمرين ومستثمرين محتملين“، في حين يري فيهم الاتحاد أرباب مقاولات مغاربة العالم، بمعنى أن الخدمات المقدمة لمقاولي مغاربة العالم أو لنظرائهـم من المغرب لا تدخل في بابا الخدمات العمومية ولكن العلاقات التجارية وتبادل المصالح.

بعد مرور سنتها الأولى لا يمكننا القول بنجاح أو بفشـل تجربـة الجهة 13، مع التأكيد على حُسن نيـة موقعي التجربة سواء الوزارة او الباطرونا، لكن طرح مسألة التقييم يبقى أمرامشروعا ومعقولا في إطار دينامية التغيير والنقد البناء الذي يشدد عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في أكثر من مناسبة.

في الحاجة إلى مركز استثمار جهوي خاص بمغاربة العالم

مع اقتراب ميلاد الميثاق الجديد للاستثمار وخروج المراكزالجهوية الاستثمار في حلتها الجديدة، فإن انتماءات مغاربة العالم إلى أكثر من جهة، تجعل من خلـق “المركز الجهوي للاستثمار رقم 13بوابة حقيقية وواقعية وليست افتراضية،تحمل مضامين إجابات واضحة للمقاولين وللكفاءات وللمستثمرين المحتملين لمغاربة العالم.

فالمركز الجهوي للاستثمار الخاص بمغاربة العالم، عليه ان يجعل من القرب من المهاجر والانفتاح عليه هدفه المحوري، يمكنه من لعب دور ألية التحفيز والتشجيع على الاستثمار، سواء من حيث توضيح وتبسيط سياسة الدولة في مجال الاستثمار إلى المهاجرين المستثمرين، وكذا إيصال فرص العرض الاستثماريحسب المجالات والقطاعات والأولويات الجهوية واحتياجات كل جهة على حدي.

وقبل التفكير في تفعيل هذا المركز المخصص لمغاربة العالم على صعيد الجهات، من الضروري إعداد الترسانة القانونية اللازمة لتسهيل مساطر التقاضي، بداية بتبني مساطر قانونية استثنائية تتماشى مع خصوصيات هذه الفئة من المواطنين المغاربة، وصولا إلى بنية مؤسساتية قضائية قوية، لتسوية الخلافات  بين المستثمرين و الإدارات العمومية، لأن العدد الحالي من المحاكم التجارية على سبيل المثال لا يتماشى مع التقسيم الترابي الجهوي بحيث نجد فقط 8 محاكن تجارية بالمغرب، بينما لا يتعدى عدد محاكم الاستئناف التجارية الثلاثة (البيضاء، وفاس، ومراكش).

من جهة أخرى فإن استقطاب الاستثمارات الأجنبية لمغاربة العالم يقتضي تبسيط الوعاء الضريبي، ونشر خرائط مناطـق الامتياز الضريبي وتخصيص فضاءات في المناطق الصناعية والتجارية لمغاربة العالم، وتنظيم حملات تواصلية داخل بلدان الإقامة بوسائل توجيه ووساطة عصرية مع ضرورة احترام العائق اللغوي للشباب المقاول من مغاربة العالم فهم يتكلمون لغات مختلفة ليس فقط العربية او الفرنسية، بل أيضا الألمانية والهولندية والايطالية والاسبانية واليابانية والإنجليزية، مما يعني ضرورة توفــر خـدمة الترجمة او الاستعانة بكراسات متعـددة اللغات بالمركز الاستثمار الجهوي رقم 13.

“فاستعادة الحيوية الاقتصادية تظل مرتبطة بمدى انخراط المقاولة، وتجديد ثقافة الأعمال، واستثمار المؤهلات المتعددة، التي يتيحها المغرب، مع استحضار رهانات التنافسية الدولية، بل والحروب الاقتصادية أحيانا.”

هذه الفقرة الواردة في خطاب العرش الأخير، يمكن جعلها في قلب التفكير في التوجه نحو مقاولي مغاربة العالم والمستثمرين المحتملين خاصة من حيث تجديد ثقافــة الاعـمال ورهــانات الـتنافـسية الـدوليـة وغيرهـا

لـذلك واحتراما لمبدأ التنافسية والتعددية، فإنه يجب خلـق «المركز الجهـوي الاستثماري رقـم 13″ إلى جـانـب “ال جهة13 حتى نضع مُـستثمري مغاربة العالم أمام اختياراتاستثمارية عديدة مثلما هو الشأن في دول الإقامة المعتادة على الاشتغال في أجواء تعدد المسالك والاختيارات والتنافسيـة، وذلك حرصـا على بقاء ونجاح مشروع “الجهة 13”، وحتى لا نسقط في تجارب الماضي وينضاف مصير تجربة “الجهـة 13” إلى مصير تجربتيْ “فـينكوم ” و “مغربكم “.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد